جمال عبد الناصر 1967م



يأتي شهر حزيران هذا العام يحمل معه أوجاعه وذكرى عدوان حزيران الأليم عام 1967م ، في مثل هذا الشهر من كل عام نرى كتبة المارينز الذين يكتبوا المقالات وينشروا الأشعار حتى جعلوا هناك اصطلاح ما يسمى بأدب الهزيمة أصبح شغلهم الشاغل لنشر ثقافة الهزيمة وتصوير تلك النكسة وكأنها نهاية التاريخ وليس مجرد خسارة معركة في حرب وجود طويلة مستمرة وليست حرب حدود ، والغريب أن من ينشر تلك الثقافة التي تحاول تكريس الهزيمة لم يقدموا أي بديل رغم رحيل جمال عبد الناصر لجوار الله منذ ما يقارب 43 عاماً إلا ثلاثة أشهر وكل دورهم المرسوم ترسيخ ثقافة الهزيمة لكي تبقى الأمة أسيرةً لخسارة معركة عابرة وعدوان إجرامي رتب له في دوائر المخابرات الأمريكية وأعدّ له جيداً منذ فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م والذي يحمل أسم اصطياد الديك الرومي والمعني به الزعيم جمال عبد الناصر والقضاء عليه والتركيز على هزيمة ثقافة الهزيمة خاصة بعد رحيله لجعلها نهاية التاريخ لهذه الأمة العظيمة التي وجدت لتبقى كأعظم أمة أخرجت للناس .
في حزيران من كل عام نرى وسائل الإعلام المختلفة خاصة المحطات النفطية تستضيف المحللين أو هكذا يسمون والكتبة الذي يتم تركيزهم على نقطة واحدة وهي ترسيخ ثقافة الهزيمة ومحاولة التشكيك بقدرات هذه الأمة والأكثر غرابة أن تلك الدول النفطية التي تملأ الدنيا ضجيجاً لم تشارك بحرب عبر تاريخها إلا مع شعوبها كلما تحركت طلباً للكرامة الإنسانية، واستطاع هؤلاء الإعراب الغوغائيين شراء الكثير من الضمائر واليوم أصبحت هناك محطات بدوية يديرها الإعراب من عملاء أمريكا وبعضها يعمل من قلب مصر للأسف خاصة بعد وصول تجّار التأسلم والإرهاب إلى السلطة في مصر الذين معظمهم جاؤوا من الجزيرة العربية بعد انفتاح السادات السدّاح بدّاح ، حيث جاء هؤلاء يحملوا ثقافة الصحراء البدوية والخيم المتحركة لينشروها في مصر التي أصبحت بعد الردة والخيانة الساداتية أرضاً خصبة بعد أن تخلت مصر عن مشروعها الناصري الوحدوي التقدمي ليحل مكانها ثقافة الأنا الضيقة ومصر أولاً التي انتقلت لباقي الدول العربية وكانت نتيجتها لم تصبح مصر أولاً ولم تتقدم وتراجعت لذيل القائمة على مستوى العالم حتى جاءت ثورة 25 يناير التي تم خطفها من قبل عصابات التأسلم المدعومة بالمال البدوي الإعرابي التي تحاول هي الأخرى إنتاج النظام القديم مع ديكور مزيف فاسد من التأسلم بهدف التمكين باسم الدين وبالتالي تقسيم الوطن باسم الجماعة وفقاً للمخطط الأمريكي الصهيوني .
وفي حزيران نستحضر أشياء كثيرة كانت رائعة وعظيمة غير ذكرى خسارة المعركة التي كانت مخططاتها أقوى مما نتصور ولكن ماذا بعد خسارة تلك المعركة التي احتل العدو بموجبها الكثير من الأراضي العربية وما تبقى من فلسطين ومن أهم تلك الأشياء العظيمة إعادة بناء القوات المسلحة من الصفر وعمل حركة تصحيح كانوا مفترض أن تتم بعد العدوان الثلاثي ونتائجه ثمّ خوض حرب الاستنزاف وكسر شوكة العدو خاصة في معركة رأس العش وإغراق المدمرة إيلات ناهيك عن عشرات العمليات الرائعة والناجحة في قلب سيناء وفلسطين وعرف العدو أنّ عدوان حزيران عابراً وربما لا يتكرر ، ولا يتكرر إلا إذا رحل أو غاب جمال عبد الناصر عن الساحة ولذلك اعترف العدو بأن حرب الاستنزاف كانت الأشد عليه في كل معاركه مع العرب وخلال تلك الحرب وضع جمال عبد الناصر خطة العبور (جرانيت 200) وهي نفس الخطة التي عبر بها الجيش المصري قناة السويس وحطم خط بارليف في أعظم ملحمة بطولية .
وبالمقابل كان الجيش العربي السوري أيضاً قد وصل لمشارف الجولان في تلك المعركة الخالدة ولولا خيانة السادات وتآمره وانصياعه لأوامر كيسنجر لتغيرت حركة التاريخ نتيجة تلك الحرب الخالدة التي لم يتوقف أحد عند تلك الملحمة ولا حرب الاستنزاف التي هي الأب الشرعي لها إلا في مناسبات معينة لأجل إعطاء شرعية للحاكم الصنم من عيّنة صاحب قرار العبور ولم يسأل أحد ماذا بعد وماذا كانت النتيجة ، وصاحب الضربة الجوية التي أوصلتنا لأحضان السعودية وكيلة أمريكا بالمنطقة والنتيجة التوقف فقط عند حرب حزيران التي بدأ منها حقبة النفط الأسود خاصة بعد رحيل جمال عبد الناصر وتراجع دور مصر من قائدة لتابعة ومن زعيمة لمجرد دولة داخل سور محصورة بمقولة مصر أولاً وهي التي ثقلها ووزنها من خلال دورها وليس بانطوائها خلف الأسوار تارة باسم المستقبل نحو المتوسط وتارة أخرى باسم الفرعونية رغم أن الفرعونية لم تكن منغلقة وكان تأثيرها لكل الحضارات الإنسانية واضحاً وكان المشرق هو قبلتها .
ولذلك في حزيران سنرى الكثير من كتبة البترودولار من عملاء أمريكا ولقطاء بني صهيون يهاجمون جمال عبد الناصر ويحملونه حتى مسؤولية حربي الخليج الأولى والثانية خاصة بعد وصول المتأسلمين إلى السلطة ومع فشلهم الذريع سياسياً واقتصادياً وأمنياً وها هي مصر اليوم أمام أسوأ الاحتمالات التي أبسطها حدوث انقلاب عسكري يطيح بهذه العصابة التي تسعى لفرض المشروع الصهيوأمريكي سواء بقصد وهذا هو الأرجح أو بغير قصد والقاضي لتفتيت الوطن وتقسيمه لثلاث دويلات قبطية ونوبية وإسلامية وهذا هو الهدف من ترسيخ ثقافة الهزيمة والهجوم على جمال عبد الناصر الذي زادت حدته كما أسلفت مع وصول حزب معاوية الانتهازي للسلطة في مصر المسمى بالإخوان المفلسين والذي هو قدوتهم ومثلهم الأعلى من أجل الوصول للسلطة لا من أجل الدين الحنيف البريء منهم ولذلك نفخر نحن العروبيون من أبناء المشروع الناصري أن نعلن للعالم أجمع بأننا على خطى جمال عبد الناصر ونهجه ورسالته الوحدوية التي طردت الاستعمار البريطاني الفرنسي وجابهت الأمريكي الصهيوني وأبقت شعلة النضال والمقاومة هي ثقافة الأمة ولعلّ السنوات الثلاث الأخيرة في حياة الزعيم من عام 1967م التي يعتبرها الخونة والعجزة كربلائهم الجديدة ولغاية أيلول 1970م من أعظم مراحل البناء والاستعداد ليوم المواجهة الكبرى والتي خانها السادات وجعلها جسرا للصهاينة على حساب تضحيات أبطال العبور من الجيشين المصري والسوري معا .
رحم الله القائد المعلم جمال عبد الناصر التي كانت حياته من أجل أمته ووطنه وبقي الجندي المخلص في الميدان حتى آخر لحظة من حياته وقائداً بهذه المواصفات سيبقى في قلوب الملايين من أبناء الأمة لأنه ببساطة عاش واستشهد من أجل حق هذه الحياة وكرامتها وأن تستعيد وحدتها الجغرافية بين الأمم والشعوب وأن يكون لها مكانة تحت الشمس ، رحم الله جمال عبد الناصر زعيم الأمة صانع نهضتها ومفجر ثورتها الثقافية والحضارية ولا نامت أعين الجبناء .


عبد الهادي الراجح
alrajeh66@yahoo.com