مصر...؟

مصر...؟ 
نبيل عمرو - عمان 
- مصر "أم الدنيا" ، هل من مجيب...؟ 
- جزء من عاطفتي هواه مصري ، مرتبط بالحبل السُرِّي بيني وبين أمي يرحمها الله ، التي ولدت في قاهرة المُعز ، التي عاش فيها أبي في طفولته ردحا من الزمن أيضا، إذ كان جدي لأمي ، وهو شقيق جدي لأبي قد بدأ تجارته في مصر في مطلع القرن العشرين ، وأصبح من كبار تُجارها ، وما يزال ترابها يحتضن عظامه وعظام شقيقيه وذريتهم ، كما ما يزال لي قوم من الأعمام والأخوال من صلب أجدادي الأُول ، يعيشون مصريين ومن الطبقة المستورة ، وبعضهم أكثر ثراءً . 
- أردت من هذه المُقدمة ، كي لا يبرز مزايدا ، ليُعيق إهتمامي بمصر كحالة خاصة في وجداني ، ناهيك عن مصر العرب ، الإسلام ، عبق التاريخ والجغرافيا وما بين كل ذلك من عظمة الحضارة ، التي كانت ، ما تزال ويجب أن تبقى تعكس الثقافة المدنية عند شعب مصر ، وهو الشعب الأكثر تسامحا مردوفا بشهامة إبن البلد ، وعشق مصر المتجذر في الأرض ، المجبول بطين النيل. 
-مصر دولة كبرى ، جغرافيا ، ديموغرافيا وتمتلك مقومات الدول العُظمى ، وأكثر أنها تتميز بحضارة عز نظيرها ، وما تزال تُحير العلماء الذين حاولوا الإبحار في خفاياها دون طائل ، فتلك الآثار الفرعونية ما تزال لُغزا قد يستمر كذلك لزمن غير مُحدد ، والتحنيط واحد من الأمثلة ، إذا هي مصر ، شعب وحياة لا يجوز إختزالها ، أو تأطيرها بغير مدنيتها المدونة بآلاف السنين ، والتي إستمرت وما تزال قائمة إلى يومنا هذا . 
- المصري هو الأقرب إلى الله فطريا ، وهناك دلالات متنوعة على ذلك ، إذ قد يغرق المصري في كل الموبيقات ، وفي ذات الوقت يؤدي الصلوات الخمس ""دي حاجتي ، ودي حاجة ربنا"" ، ولا يُغفل ولو للحظة عشقه لمصر وتجذره بأرضها ، تغنيه بالنيل ، الأهرام ، الأقصر وأبو الهول لتعزيز مدنيته في شارع محمد علي ، للترفيه عن النفس أو لكسب العيش ، أو إيمانا بأهمية الفن بكل تلاوينه وحب المصري للغناء والطرب ، ""الفرفشة"" خواص وتميز مكتسب عبر الدهر. 
- مصر ولادة ، كما يحب وصفها المصريون الفطريون ، ومنذ المداميك الأولى في الأهرامات والأقصر وغيرها الكثير ، لم تتوقف مُتتالية الإبداع المصري ، إلى أن حط غراب البين اليهودي ، عبر الإستعمار البريطاني الفرنسي على الشرق الأوسط ، ومصر أحد أهم أركان هذا المشرق ، الذي نكرر أنه عاصمة الكرة الأرضية ، أسرار الحضارات المادية ، وأسرار الغيب واللامدرك لبني البشر. 
- مصر الآن...؟ 
------------------ 
- بالطبع ، لست باحثا في التاريخ أو علم الآثار ، ولا راجما في الغيب ، كما لست فقيها بقدر ما أنا مسلم فطري ، كحال المصري وكل المؤمنين بالله القدير ، وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأقرأ الفاتحة سبعة عشر مرة في اليوم فرضا ، ناهيك عن السُنة ، وعلى هذا سأعبر دهاليز الحالة السياسية في مصر ، وما في السياسة من ألاعيب ، أكاذيب ، مراوغة ، مناورة ، باطنية ، تُقية ، مؤامرات ، إغتيالات وموت يجب النأي بالدين الإسلامي عنها ، أو تلويثه بمقتضاتها ، أو إقحامه في أوحالها ، ومن يفعل ذلك هو بمثابة من يعمل على تشويه ، قُدسية العلاقة بين العبد وربه ، ويدق الأسافين بين الخالق عز وجل وبين المخلوق ، وينطبق المثل الشعبي ""يا داخل بين البصلة وقشرتها ، لا ينوبك سوى رائحتها"" ، لأن الله وحده هو الولي بعباده ، والجميع في نهاية المطاف في ذمة الله ، الأمر الذي يؤكد بضرورة الفصل بين الدين والسياسة ، ليس في مصر وحدها وإنما في أي قُطر يحكمه الإخوان المسلمون أو يسعون لحكمه ، إذ ثبت بالتجربة العملية إن في مصر أو غيرها ، وحتى في تركيا ذات الإسلام الأكثر حضارية ، أن الشعوب العربية والإسلامية تنتفض ، تُستفز في عشرينية القرن الحادي والعشرين ، أن تأتي جماعة وتفرض وصايتها على الدين الإسلامي الحنيف ، اليُسر والسمح ، الوسطي والمعتدل . 
- لا إكراه في الدين ، لقد تبين الرُشد من الغّي ، ونحن في عصر النت ، التقنيات ، التطور العلمي وسرعة الإتصالات والمواصلات ، لم يبق جهل وتلاشت الجهالة ، والبشرية تعيش الآن في منزل كوني واحد ، وإن كان لم يعُد مقبولا الذهاب بنا سياسيا ، إقتصاديا وإجتماعيا لما كان عليه الحال قبل إنهيار الإقتصاد العالمي ، فما بالنا وهناك من يريد العودة بنا إلى قرن ونصف من الزمن...؟ ، وتحت عنوان تطبيق شرع الله ، فيما الله جلت قدرته أنزل علينا الدين ، للتفكر ، التدبر ، التعقل والتبصر فيما نحتاج وكيف نعيش وندير شؤوننا الحياتية واليومية. 
- بالعودة إلى مصر ، إلى حكم الإخوان المسلمين...! وما هو حال الشعب المصري حاليا...؟ ، هذا الشعب العظيم الذي كده القهر ، الظلم ، الفقر ، الفساد وحُكم الحديد والنار ، إنتفض وثار من أجل الحرية أولا وأخيرا ، التي تُعتبر أكسير الحياة ، طريق المستقبل ، الشراكة في صنع القرار ، عبر أسس ديموقراطية تضمن الحق ، العدل والمساواة أمام القانون للجميع ، من خلال دستور مدني لا يفرق بين مسلم ومسيحي ، بين سُني وشيعي ، بين رجل وإمرأة ، أو حتى بين مؤمن وملحد ، ما دام الكل ، سيقفون أمام الله العزيز الجبار ، الذي يحدد الطريق لكل منا ، إلى الجنة أو إلى النار ، وهنا مربط الفرس...!!! 
- ستبقى مصر ضعيفة ، مربكة ، مكدودة ، تتخبط وتعتريها الفوضى إن لم يحظ الشعب المصري بدستور مدني ، يضمن المساواة بين الشيخ محمد بديع وتحيه كريوكا ، الأزهر وكتدرائة الأقباط ، ومن منطلق ""كل على دينه والله يُعينه"" فإن مصر ستنهار ، تتقسم ، تتفتت وهذا ما يرده لنا الإستعمار