تقديم أوراق الاعتماد
ليست تصريحات النائب عزيز الدويك الذي شغل موقع رئاسة المجلس التشريعي قبل انقلاب حزيران 2007، حول أولوية "الجهاد ضد الطاغية في سورية على ما عداها، حتى بما فيها الجهاد في فلسطين "ليست تصريحاته هذه، فرصة، وفرتها حماس لفصائل التحالف الوطني الذي يقود منظمة التحرير، بهدف الانقضاض عليها، أو المس بها أو بمكانتها أو بدورها الكفاحي سابقاً أو نجاحها في الحصول على الأغلبية البرلمانية العام 2006، بقدر ما هي دلالات سياسية، مهمة، وفرتها "حماس"، للاستدلال على أولوياتها وللإجابة على أحد الأسئلة الحيوية المهمة المطروحة عليها وأمامها، وهي : هل "حماس" تنظيم فلسطيني يضع المشروع الوطني الفلسطيني أولوية له، أم أنه فصيل من فصائل حركة الإخوان المسلمين ؟؟ كحركة سياسية عابرة للحدود لها أولوياتها على المستوى القومي، وتنفذه "حماس" في شقه الفلسطيني وتتكيف معه، وتضحي ربما في بعض الأحيان بمصالح شعبها في سبيل المهمة الأكبر والأهم كما ترسمه حركة الإخوان المسلمين، وهي بذلك لا تختلف عن جبهة التحرير العربية إبان حكم البعثيين للعراق، والصاعقة والقيادة العامة في انحيازهما لسورية، وللشيوعيين أيام السوفييت، وهي سياسات وعلامات، لم تتوظف لمصلحة فلسطين، بل تم توظيف فلسطين في العديد من الحالات لمصلحة المواقف العراقية والسورية والسوفييتية، آنذاك.
تصريحات الدويك بشأن سورية تتعارض مع المصالح الوطنية، بعد أن دفعنا كفلسطينيين ثمن انحياز بعضنا، وتورطنا في الكويت مع وضد الكويتيين، ومع وضد الاجتياح العراقي للكويت، ودفعنا الثمن في العراق بعد الاحتلال من ذبح وطرد اللاجئين الفلسطينيين وسرقة منازلهم، وإبعادهم إلى دول أميركا اللاتينية، وهذا ما حصل في ليبيا أيام القذافي وما بعد القذافي، وهذا ما حصل في سورية على أيدي المعارضة السورية بسبب تورط الصاعقة والقيادة العامة ضد المعارضة، وجاءت تصريحات عزيز الدويك لصالح جهاد المعارضة السورية المسلحة، لتصب البنزين على رؤوس اللاجئين الفلسطينيين، المحرومين من اللجوء إلى مواقع أمنة في الأردن ولبنان وممنوعين من دخول البلدين، وفقط مسموح لهم اختيار البقاء والموت بحرية تحت الضربات المتبادلة لطرفي الصراع .
تصريحات عزيز الدويك، إذا لم تكن اجتهاداً فردياً، معزولاً، فهي تتمة واستكمال لسلسلة من المواقف الجهادية الإخوانية لحركة الإخوان المسلمين، التي يقودها يوسف القرضاوي وفتاوي أتباعه في مؤسسة العلماء القطرية، وقرار الرئيس المصري محمد مرسي بإغلاق السفارة في القاهرة ودمشق، المنسجمة والمتوافقة مع السياسات الأميركية والأوروبية، ومحاكاة لمواقفهم الجهادية في أفغانستان ضد الشيوعية والاشتراكية إبان التدخل والاحتلال السوفييتي لأفغانستان.
ولذلك ليست تصريحات عزيز الدويك بريئة الهوى ونظيفة المقصد بل هي توجه سياسي مدروس خدمة لسياسة الإخوان المسلمين وغطاء فلسطيني لها من قلب فلسطين والقدس، ومن تنظيم جهادي في موقع متقدم ضد "إسرائيل"، ولكنه بعد تفاهمات القاهرة الموقعة بين مستشار الرئيس المصري للشؤون الخارجية عصام الحداد ومستشار نتنياهو إسحاق مولخو تم وقف الجهاد والتوصل إلى الهدنة والتهدئة بين نظام حركة حماس في قطاع غزة وبين العدو الإسرائيلي، والالتزام من طرف واحد بوقف العمليات المسلحة ضد الإسرائيليين من قطاع غزة في مناطق الاحتلال الأولى العام 1948 .
تصريحات عزيز الدويك، إذا كانت معبرة عن موقف وسياسة حركة حماس، وليست اجتهاداً ذاتياً فردياً، إشارات ورسائل " حسن النية "، وتقديم " أوراق اعتماد " تنسجم مع تفاهمات القاهرة الموقعة في شهر تشرين أول 2012، وسياسة الإخوان المسلمين وتفاهماتها مع واشنطن، وتغيير الأولويات نحو الداخل العربي وتمكين الإخوان المسلمين للوصول إلى الحكم وسلطات اتخاذ القرار، في العواصم العربية بدعم ورضى أميركي سواء عبر صناديق الاقتراع كما حصل في مصر وتونس والمغرب أو عبر التدخل الأجنبي كما حصل في ليبيا وقبلها في العراق.
"حماس" تهدف لتحقيق غرضين أولهما الانسجام ودعم سياسات الإخوان المسلمين في العالم العربي والاستقواء بها، باعتبارها رافعة وسنداً لحركة حماس، وثانيهما شرعنة قرار الحسم العسكري الذي نفذته في حزيران 2007، بعد فشلها في أن تكون بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية أو شريكاً مع فصائلها من موقع القوة، ولذلك تسعى عبر " رسائل حسن النية " و " تقديم أوراق الاعتماد " لإزالة اسمها عن قائمة الإرهاب الأميركية وشرعنة نظامها وانقلابها لتحصل على الموقع السياسي الذي يؤهلها بعد سيطرتها الانفرادية الأحادية في قطاع غزة كي تكون هي العنوان الفلسطيني وليست رام الله أو منظمة التحرير.
h.faraneh@yahoo.com