أين الأموال المعطلة؟
في مرحلة مناقشة الموازنة العامة في مجلس النواب، ذكر أحد النواب المحترمين في خطابه الحماسي أن مجموع ودائع البنوك يناهز 26 مليار دينار، أما التسهيلات المصرفية فلا تزيد عن 18 مليار، هذه أرقام صحيحة ولكن النائب المحترم فهم منها أن الفرق بين المبلغين يمثل أموالاً معطلة يجب حفز البنوك على استعمالها لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني!.
النائب المحترم افترض أن ميزانية البنك تتكون من بندين أحدهما الودائع في جانب مصادر الاموال والثاني التسهيلات المصرفية في جانب استخدامات الأموال، وإن هذين البندين يجب أن يكونا متساويين، وهذا تصور خاطئ، فالمصادر لا تقتصر على الودائع فهناك رأس المال والاحتياطات العامة والمخصصات والتأمينات؟ كما أن الاستخدامات لا تقتصر على القروض والتسهيلات المقدمة للقطاع الخاص، بل تشمل أيضاً، الاوراق المالية كأسهم الشركات والسندات الحكومية والموجودات الثابتة كالعقارات والأثاث.
الفرق بين الودائع والتسهيلات ليس معطلاً بل مستثمر في سندات الحكومة وأسهم الشركات ومبنى البنك وأثاثه وتجهيزاته والودائع الإلزامية لدى البنك المركزي التي تحسب كنسبة من الودائع. وما زاد عن ذلك يمثل نقدأً في الصندوق أو لدى البنك المركزي والبنوك الأخرى.
إذا كانت هناك سيولة فائضة لدى الجهاز المصرفي الأردني فهي رصيد ودائع الليلة الواحدة المحتفظ بها لدى البنك المركزي، وتتراوح حول 2 مليار دينار، أو أقل من 8% من الودائع، وتمثل سيولة جاهزة لتلبية طلب المودعين الذين يريدون السحب على ودائعهم، وتلبيـة طلب المقترضين للحصول على قروض جديدة. وهذا المبلغ، وإن سمي فائضاً، فإنه لازم ويمثل الحد الأدنى الواجب الاحتفاظ به تحت جميع الظروف.
ليس للنواب سيطرة على البنوك وكيفية استخدام مواردها المالية، ولكن ملاحظاتهم وانتقاداتهم حول الجهاز المصرفي تعتبر بمثابة توجيه للحكومة للتدخل ومعالجة الأوصاع، وهي ملاحظات مفيدة شريطة أن تكون علمية وصحيحة وليس مجرد قراءة خاطئة للأرقام أو انطباعات عاجلة أو حكم على ظواهر الأمور.
وفيما يتعلق بالجهاز المصرفي الأردني فهو سليم وقوي بشهادة جهات الاختصاص، وهو خاضع لإشراف مستنير من قبل البنك المركزي، ويقوم بالواجبات المناطة به خير قيام، بل إنه يمثل نقطة مضيئة في بنية القطاع الخاص الأردني، وقد نجح لدرجة أن البعض يريد مصادرة هذا النجاح عن طريق زيادة الضرائب على البنوك والسماح بترخيص بنوك أخرى وكأن 25 بنكأً ومئات الفروع لا تكفي لخدمة المواطنين.