انبعاث عثماني أم رجل مريض جديد؟


بعد أن نجحت سورية في تجاوز محنتها وصار زمام المبادرة بيد الجيش العربي السوري، فإن تركيا هي المرشحة للأزمة الإقليمية الدولية القادمة..

ومن المرجح والمتوقع أن تولد الأزمة التركية الوشيكة اصطفافات وتحالفات ومواقف مفاجئة وغير متوقعة ، منها تصدع التفاهم الأمريكي- الأوروبي وتحوله إلى صراع ساخن حول تركيا، ومنها تفاهم أوروبي - سوري قد يصل مستويات تذهل العالم، وذلك في ضوء افتضاح البُعد العثماني الامبراطوري لصعود الإسلام الأمريكي في تركيا واصطدامه مع الصخرة السورية واليقظة الروسية واحتمالات بحثه عن جبهة جديدة هي البلقان، فبالإضافة إلى الوظيفة الأمريكية لهذا الإسلام لتطويق روسيا والصين في قلب العالم (اوراسيا) هناك وظيفة كامنة تستهدف أوروبا التي تعتبر تركيا حصان (طروادة أمريكي) ضدها..

وكما يعول العثمانيون الجدد على (حماية طائفية) للأقليات المسلمة في أوروبا، ينظر الأوروبيون بقلق بالغ لهذه القنبلة الديمغرافية التي تكبر كل يوم مثل كرة الثلج..
والجدير ذكره أن صراع العواصم الرأسمالية العالمية على تركيا يعود إلى القرن التاسع عشر وسبق لمؤسس الاشتراكية، كارل ماركس أن كثّف هذا الصراع في كراس خاص باسم (الأزمة البلقانية) واستعرض فيه الاستقطابات الداخلية الحادة في هذه العواصم إزاء هذه الأزمة، بين تيار يدعو لدعم تركيا العثمانية الإسلامية ضد روسيا القيصرية الصاعدة ومنعها من الاقتراب من المضائق والمياه الدافئة، وبين تيار يدعو إلى دعم روسيا وتعميق الرأسمالية فيها ضد امبراطورية عثمانية تختلط فيها السلطانية مع تحولات رأسمالية.

ومن مفارقات التاريخ أن أمريكا أخذت اليوم دور المانيا القرن التاسع عشر بدعم اسطنبول، فيما ظل التيار الأوروبي المناهض لتركيا هو الأقوى مستخدما تعبير الرجل المريض في وصفها..
وهكذا، فالصراع المتوقع على تركيا صراع بين تيار الانبعاث العثماني لمواجهة روسيا من جهة وفرنسا وبريطانيا من جهة ثانية (المانيا القرن التاسع عشر وأمريكا هذه الأيام) وبين تيار أوروبي لتحويل تركيا إلى رجل مريض جديد يعززه صعود روسيا وقدرتها على إزاحة تيار الانبعاث العثماني نحو صدام تركي - أوروبي واقع لا محالة..