هل انقلب حكم "الطغيان" على الإخوان ؟!


جميعنا متفق على أن ما يدور في سورية واستمراره يصب أكثر ما يصب منفعة لإسرائيل ، والحقيقة الثانية أن تصرفات الإدارة الأمريكية، حتى غالبية الأوروبيين تنطلق من المصلحة الإسرائيلية، خاصة أنها مصالح مشتركة ، فعقدة الجماعات المتطرفة، وتشكيل إمارة إسلامية تطالب بمحاربة الكفار، ودحض الأنظمة المعتدلة أو ما تسمى حلفاء الغرب ، وأخونة الأنظمة السياسية وتغيير مظاهر الحياة، على طريقة السلفيين الوهابيين، ما زالت تقف حائلا دون أن يتبنى الأمريكان والغرب الإخوان بديلا لنظام جديد في المنطقة رغم المحاولات السابقة . فاعتبار "الفرنج" أعداء الأمة وتضييق منافعهم في المنطقة وقطع هذا الجزء من العالم عن الكرة الأرضية وكأنه مخلوق لوحده ، وبنموذج أفغانستان والمناطق الشرقية من السعودية أو جماعة الطالبان أو الحوثيين، أو النصرة "الذين ظهروا إلينا بخليط ظاهره سورية وباطنه عقدة الاستشهاد لشباب من الشيشان وتونس وليبيا ومصر ولبنان ويوغسلافيا القديمة..الخ، إنما يؤكد نظرية المؤامرة التي تزرعها الصهيونية العالمية وتنفذها أدواتها في أمريكيا والغرب.

مِن مصلحة الأمريكان والإسرائيليين والأوروبيين استمرار سيناريو القتال حتى يُقتل الشياطين "برأي الامريكان " ، ويصفّوا بعضهم بعضًا، وهذا يتماشى مع مصلحة العديد من الدول التي تشكل الجماعات الإسلامية المتشددة خطرًا على أنظمتها، ولا مشكلة أن تكون الأرض السورية مقبرة لهؤلاء.

الشعب العربي أدرك الآن أن حكم الإخوان لن يكون أفضل مِن حكم الطغيان "كما يحاول الإخوان تصويره"، فالطغيان الذي رفضه الشعب العربي في ربيعه أصبح ندمًا إن لم يكن ألمًا، لِما يجدون الآن من الإخوان من سياسات الاحتكار والتقوقع والبطء وغياب المنهج والرؤية والبرامج والإدارة الرشيدة، والاستراتيجية التي تحفظ للثورات معانيها وأهدافها . مشكلة الإخوان هي بتسلم السلطة، لأن فيها كشفًا لحقيقتهم وعدم تأهلهم لقيادة الأمة وتوفير أنهار اللبن والعسل والعدالة والمساواة كما كانوا يوعدون، ولهذا فإن موقف الإخوان في الأردن الرافض لكل شيء واستغلال الشارع في أي قرار حكومي غير شعبي إنما يشكل فرصة عند الإخوان كونهم خارج السلطة ، وتجارب الإخوان العربية منعتهم من الدخول للعب بساحة الحكم مكتفين بالنقد واللعب من بعيد ، فقد أدركوا أن لغة البقاء هي فقط في المعارضة ، لأن ما جرى في مصر و تونس و ليبيا، وما يُجرى في سورية نماذج فشل فيه الإسلاميون في تقديم أنفسهم كنماذج إنقاذ وقيادات حكم.
الإصلاح الأردني هو الطريقة الأمثل لنتجاوز شطحات مَن ينتظر ربيعًا أردنيًا صاخبًا ، فالإصلاح لا يمكن أن نصله بتطمينات أو سيناريوهات رئيس الحكومة أو بتوصيات بعض أصحاب الدولة ممن يعتقدون أن مجرد رفع الأسعار سيعيدنا لحالة الاستقرار الاقتصادي ، فالمواطن الأردني غير مقتنع بقرارات الحكومات خاصة أنها استرجلت على مجلس النواب ، وأن بيع مقدراتنا لم يقلل من المديونية بل زادها ، وأن تمكين القطاع الخاص لم يزد من دخلنا القومي ولم يقلل من البطالة، بل أصبح عبئًا على موازنات الدولة، لهذا فإن استمرار تجاهل هذه المواقف وتطنيشها واعتبارها ضحلة وهامشية ستوقعنا بالمحظور .

الإصلاح الاقتصادي مرتبط بالإصلاح السياسي، وهما مدخل للاصلاح الاجتماعي ، والاصلاح "بكج كامل" بدأ من مواقف الأحزاب والتيارات والقوى السياسية ومطالبتها بتعديل قانون الصوت الواحد ووضع قانون عصري يحفظ خصوصية الوطن الأردني بتشكيل حكومات برلمانية منخبة ومجالس نواب حقيقيه لا هلامية . مرورًا بمحاربة الفساد وتقديم نماذج وبينات تؤكد جدية الحكومة بمكافحة الفساد ، واسترجاع أموال الدولة والشعب لإقناع المواطن بدل تمثيليات لعبة الأدوار مع مجلس النواب ، مرورًا أيضًا بترجمة مفهوم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص على أرض الواقع وتفعيل القانون وفرض هيبة الدولة ،وانتهاء بتشريعات اقتصادية ثابتة تبدأ من الموازنة التي يجب أن تكون من طول "لحافنا "، وتعزيزالانتاجية الصغيرة بمشروعات منزلية تزيد من الناتج المحلي الاجمالي ، وتوجيه الدعم فقط لمستحقيه وبأية وسيلة كانت وهي كثيرة ومتعددة ، جنبًا إلى جنب مع البدء بمشروعات الثروات الوطنية التي طال أمد انتظارها. ماليزيا وسينغافورة وكوريا بظروفها ليست أفضل من الأردن، لكن فيها أناس عملوا لبلدهم حقيقة لا شعارات، حافظوا على ثرواته ولم ينهبوها، قوننوا سلوكهم ولم يعبثوا بالدولة او يستغلوها . فهل سنصل لذلك .