المعارضة وسجناء الراي!

سجناء الراي!

الكلمة همزة الوصل بين الله والإنسان،مفتاح المعرفة الى الحقيقة،الخط الفاصل بين الإنسان والحيوان،الكلمة هوية الكائن بإنه انسان ناطق لا بهيمة عجماء.من دون كلمة منطوقة لا تواصل بين الناس..هي الكلمة بوابة العقل، نافذة القلب،معراج الروح الى السماء في لحظات التجلي بالدعاء المبلل بالدمع والرجاء. بالكلمة هبط الوحي من السماء حاملا رسالة الله،رسالة الحق والتوحيد " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ". رسالة الدعوة الى "ما ينفع الناس ويمكث في الأرض" فمنهم " أمة يدعون الى الخير " . بالكلمة عُقد العقد الإجتماعي بين الافراد والدولة. عقد قام على " وشاورهم في الأمر " و " أمرهم شورى بينهم " . لهذا إرتبطت الكلمة بالقداسة ،و بها تفتح أبواب السماء، وخزائن الأرض، لذلك احتلت مكان الصدارة في أولويات بني البشر وصارت اللغة هوية الامم ورمز وحدتها.
*** الكلمة الجريئة ،عنوان الديمقراطية الحقة. فالديمقراطية الخرساء دكتاتورية عمياء، فيها انتقاص لحرية الإنسان وكرامته. " إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ". صاح ارسطو ذات حوار فلسفي في أحد جلسائه : تكلم يا هذا حتى أراك !! فمن كان بلا رأي ولا موقف تقول عنه العوام انه شخصيةهوائية، مجرد بهيمة تأكل وتشرب وتنام !! العرب هم أهل الكلمة ، اصحاب علم الكلام،هي فنهم، معجزتهم، فخرهم .فالمتكلم اللبق عندهم له مكانة مرموقة لان بين فكيه سيف صارم.كما ان الشعر ابداعهم لذلك قالت الامم الشعر ديوان العرب و الشاعر سفيرهم .وعندما اعجزهم القران وسحرهم بمعجزته اتهموا النبي صلوات الله عليه بانه شاعر وساحر.
*** الحرية بدأت بكلمة،ثم اصبح للكلمة أجنحة، وللحروف زعانف، وللغة أسنان حادة وأظافر جارحة، وصار لها حصانة ضد قانون الجاذبية الدونية ،و قانون الإنفلات و الإنفلاش. تأسيسا على ما سلف فإن سنام الديمقراطية المعارضة، يترتب القبول بآرائها، احترام الخلاف معها، السماح بتعدديتها . المعارضة هي المحك الأساس للديمقراطية ففي ظلالها لا يخشى المعارض الوطني الشريف النطق بالمهموس، والإعلان عن المحظور خدمة للصالح العام،وهذه أهم خصائص الديمقراطية المتحضرة .
*** مصيبتنا أن المسؤولين اعتادوا على سماع اصحاب الحناجر المشتراة والأقلام المأجورة واللحن الواحد ، واستساغوا احاديث الناطقين الإعلاميين المكتوبة بحبر النفاق على ورق مغشوش البياض.فقد ثبت بعد خراب مالطا انهم ناعقون اعلاميون مهادنون مسالمون ، يؤثرون السلامة ، والراتب الدسم على المواجهة والتصدي للسلبيات. مرد ذلك عدم مغادرتهم " قواعدهم " في الوزارات نتج عنه عدم قدرتهم على قياس نبض الشارع ونبضه المتسارع وتحولاته العميقة،فسقطوا بالتنظير و التاطير حتى انفصلوا عن الواقع .
*** في هذه الأيام العصيبة، وهذا المقطع التاريخي الحساس من حياتنا نحن بحاجة الى نقيض هؤلاء الغربان ، بحاجة الى صقور محلقة ممن يحملون روحا قتالية عالية ، مشهود لهم بمواقفهم الوطنية ، وأصحاب شخصيات عصية على الكسر واللي والعصر.هؤلاء هم مصدر قوة لشعوبهم نقيض اولئك رموز الانحطاط والهزيمة وتزييف الوعي، فالرجل الخطأ، في المكان الحساس كارثة وطنية يعرف في علم الإدارة بالعنصر الأسود لأنه ضعيف قابل للإحتواء،غير مأمون الزلات ولا مؤتمن على الاسرار وقد شاهدنا سقوط العشرات منهم في الفساد .
*** لبرهنة ما نقول، نستدعي من رفوف التاريخ بعض الوقائع لتصحيح الخطأ،وتعديل الإعوجاج لتكون دروسا وعبراً نستفيد منها ، فالتاريخ مرآة الحضارات الإنسانية بآثاره ومآثره .
ذات ضيق بالرأي الآخر،غافل السياف الرسمي للخليفة الشاعر بشار بن برد ودحرج رأسه من فوق جسده،فخسرت الامة عبقرية شعرية رفيعة. وغضب الوزير علي بن عيسى على الحلاج المتصوف الكبير وأحرقه حيا لانه لم يستوعب ولم يفهم ما يقول الصوفي ساعة العشق الرباني و الا نعتاق الواجداني في ملكوت الله .الأسوء ما حدث مع ابن المقفع الحكيم العالم الأديب حينما قام والي البصرة سفيان بن معاوية بتقطيع جسده غيرةً منه وتشفياً به ، وكان يتلذذ وهو يلقي اعضاء غريمه بالنار، ويشم رائحة الشواء الآدمي ... .جرائم الرأي لم تقف عند هؤلاء بل هناك آلاف القصص التي تضيق بها المجلدات العربية .
*** ان ابسط حقوق المواطن،حقه في التعبير عن نفسه،وعن ناسه.فالفكر الانساني قام على الحرية والانطلاق و الانعتاق و لن تتطور الحياة السياسية والاجتماعية الا بالتنوع الحيوي والاختلاف البناء والرأي الآخر.غير ذلك اغلاق عدمي لبوابة المنطق وتحايل على العقل.و لا يخفى على عاقل ان الحقيقة لها وجه واحد وللناس الآف الوجوه،فابشع جرائم العصر خنق حرية التعبير واشرف الناس هم سجناء الرأي. الاهم ان هيبة الدولة تقوم على الحوار وتبادل الافكار ولا تقوم على الرش بالمياه القذرة،والضرب القنوة.