كل الورد لعينيكِ ..

أخبار البلد
 
حين تطلب أمي ورداً

اتصلت بي أمي بالأمس، قالت: إشترِ لي أشتال ورد لأزرعها.

قبل أن أرد قائلاً: كل الورد لعينيك. تذكرت أن أمي، التي تنتمي لجيل وعى الورد، قلما تتصل بهذا الإلحاح، من اجل شيء آخر.

هذا الجيل من الأمهات اللواتي يبدأن أيامهن بصحو قريب الفجر، وصلاة، وروائح قهوة صباحية ومرور عاجل على قوارير تحوي زنبقاً وفم سمكة وفلاً وياسميناً، قبل أن ينهمكن في إعداد العجين وخبز الصباح في "الطابون" أو "الصاج" شهياً وطازجاً كثمار غامضة مشتهاة، يوشكن أن يئلن إلى انقراض.

النساء من هذا الجيل اللواتي ينهمكن مع إشراقة أول خيوط الفجر في الغسل والكيّ والتنظيف وإعداد الإفطار لعائلة توشك على الاستيقاظ، ثم يمضين النهار في عمل لا يكاد ينقطع وصولا إلى إعداد طعام الغداء، بتن عملة نادرة في زمننا هذا.

طبعا يتخلل نهارنهن، بعد أن يمضي الجميع إلى أعمالهم ومدارسهم، استقبال جارات على فنجان قهوة، أو زيارة قصيرة إلى جارة دهمتها وعكة صحية، وكلهن يهتممن بتسقط أخبار الناس، ومعرفة أحوالهم، والفرح لأفراحهم والحزن بأتراحهم. ليس مثل حياتنا اليوم التي لا نعرف فيها أن فلانا قد مات.. إلا بعد مرور شهور.

أمي وجيلها يحبون الورد، ويتعهدون قواريره بالعناية، ويغدون من الحنان عليه، على وروده وأوراقه الكثير، كأنه بعض أولادهن.

من عشق أمي للورد أني بت أشتم عطر الورد في راحتيها.

: لا تنس أشتال الورد..

قالت أمي مودعة، دون أن يتسنى لها أن تسمع أن الورد، كل الورد لعينيها، ولعيون أمهات ما زلنا نستمد العزيمة مما بذلن ويبذلن للورد ولنا.. .
خالد ابو الخير