حمد السري وكيري العلني
- إنتهى إجتماع الدوحة كما توقعناه بإعلان السعي لتعديل التوازنات العسكرية في سوريا لصالح طالبان سوريا تحت شعار أن الحل السياسي لا يستقيم في ظل الموازين الراهنة
- لا يكشف المجتمعون عن ماهية الحل السياسي الذي يسعون لتحقيقه وكيف لتعديل الموازين تحقيقه سوى بالقول أن النظام وهو في حال الشعور بالتفوق الميداني أن يقبل بهذا الحل ؟
- يسلم المجتمعون أن لا طاقة لديهم على المضي بالحل العسكري الذي سبق وأجمعوا علنا ولشهور طويلة على تسويقه كخيار نهائي لحربهم في سوريه وهدفه إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد ولذلك ساروا شوطا في إعلان الإعتراف بالإئتلاف بديلا للحكومة السورية ومنحوه حق تشكيل حكومة بديلة
- عادوا لتفسيرهم لتفاهم جنيف عن حكومة إنتقالية كاملة
الصلاحيات يسلمها الرئيس السوري صلاحياته تكون على قاعدة توازن قوى جديد بين النظام
والمعارضة المسلحة ، وليس في الفرضيات إلا النموذج اليمني مثالا
- فلنناقش الفرضية وواقعيتها أولا ثم نمضي إلى مناقشة مضمون ما تخفيه
- تحتاج هذه الفرضية كي تصبح خطة قابلة للنقاش عقليا إلى ثلاثة شروط غير متوافرة
- الشرط الأول أن يكون في النظام في سوريا بنية تمسك القرار في الجيش والدولة من وراء الريس الأسد ، وتملك القدرة على مخاطبته باللغة التي تصرف عبرها الجيش المصري مع الرئيس حسني مبارك كما تكشف الوثائق التي باتت علنية عن يوم تنحي مبارك ، وهذا شرط يعرف الغرب ويعترف بكونه غير متوفر وغير قابل للتحقق
- هذا يعني أن المواجهة العسكرية التي يفترض أن تنتج توازنا قابلا للتفاوض هي مواجهة مفتوحة ليس عليها إلا إسقاط النظام وإحتلال كامل سوريا كي تحقق ما تدعي السعي إليه فهل يقدر على الأكثر من يسلم بفشله بتحقيق الأقل ؟
- هم يأتون للحديث عن تعديل الموازين للتفاوض بسبب فشلهم بمواصلة القتال لإسقاط النظام ، ويعلمون سلفا أن تعديل الموازين اللازم التفاوض هو الوصول إلى قصر المهاجرين واللاذقية والساحل واحتلال حلب ودمشق ، وهذا يعني بالسياسة مغادرة الحل السياسي إلى غير رجعة ، لأن في سوريا مفاوض واحد على الغرب ومن معه صناعة التسوية معه هو الرئيس بشار الأسد ، ولا عاقل يفكر بدعوته للتفاوض على الإستسلام بتعديل موازين بعدما فشل في الإنتصار عليه ، رغم حشده للحرب كل ما لديه تحت شعار الحسم العسكري وإسقاط النظام
- الشرط الثاني ان يكون لدى أي من الحلفاء المفترضين للنظام الإستعداد والقدرة على تجاوز الرئيس بشار الأسد ، كما كان حال اليمن واليد السعودية داخل الدولة والجيش ، و حال مصر واليد الأميركية التي أمرت بتنحية مبارك
- إذا كان المقصود اي من الفرضيتين الروسية والإيرانية فالسؤال ، طالما أن إيران وروسيا قد رفضتا تحت الترغيب والترهيب هذه الفرضية في زمن الإعلان الأميركي عن العزم على إسقاط النظام ، فلماذا تقبلانها في زمن التسليم بالعجز الغربي والعربي ؟
- إيران وروسيا تعلمان أن لا جيش ولا دولة تبقيان
بدون الرئيس بشار الأسد ، وأن تنحي الرئيس أو تنازله عن صلاحياته يعنيان خروج إيران
وروسيا من معادلة الشرق الأوسط بكل ما في الكلمة من معنى ، فمن هو الغبي الذي يفاوض
على هزيمته وإستسلامه وهو قوي وعدوه ضعيف ، بعدما رفض ذلك في ظروف معاكسة ؟
- المهم ان روسيا وإيران تعلمان أن الزمن يفعل لصالحهما ، وأن الزمن ينفذ من الرصيد الأميركي كلما إقترب موعد الرحيل من افغانستان ، وأن مسرحية التفاوض مع طالبان لن تفيدهم شيئا ، بلا بوليصة تأمين روسية صينية إيرانية لخروج آمن من أفغانستان
- إيران وروسيا إكتشفتا أنهما تكسبان الكثير بأقل الأكلاف ، بالإستثمار على الدعم المتعدد الوجوه لسوريا الأسد ، وها هي روسيا تتحول إلى أبرز الثمانية الكبار في صناعة السياسة الدولية بفضل صمود سوريا وتضحياتها ، وإيران تقترب من إنتزاع الإعتراف بشرعية دورها الإقليمي ، من لسان الرئيس الفرنسي الذي سلم بالحاجة لمشاركتها في جنيف بعدما كان عراب الفيتو بوجه هذه المشاركة ، ومن تذوق طعم النصر لا يمكن إغراؤه بالهزيمة ومن هو ذاك الذي تغريه الهزيمة وهو ينتصر ؟
- الأهم أن ما تملكه أميركا وجماعتها من هيمنة على القرار في جسم المعارضة السياسي والعسكري ، لا تملكه روسيا ويران في سوريا ، رغم كثرة الكلام عن إعتماد النظام ماليا وعسكريا على الدعم الروسي والإيراني ، فمن يعرف سوريا يعرف ان الرئيس الأسد وحده يملك القرار ، وما يقوم به من تشاور مع الحلفاء لا يتعدى تحضير معطيات القرار ، لكن القرار يبقى قرارا سوريا سياديا لا نقاش في إعتباراته السورية ، وأن قدر روسيا وإيران أن تقاتلا معه فتنتصرا ، أو أن تهزما بمغادرة سوريا ، لكنه سيبقى يقاتل وحدة ولو في ظروف أشد صعوبة لكن ليس بالضرورة أن يهزم
- بين نصر محقق بكلفة محدودة وهزيمة محققة بقرار غبي من الذي يتردد بالإختيار ؟
- إيران وروسيا لا تريدان ولا تستطيعان إن ارادتا
فلمن يوجه الغرب والعرب من الدوحة صيغة تعديل الموازين طلبا للتفاوض ؟
- الشرط الثالث أن يكون بيد المجتمعين في الدوحة جواب حقيقي حول كيفية تعديل التوازن كإمكانية ، وليس كلغو فارغ وحرب نفسية وعرض تفاوضي يقول تعالوا وإلا فسنعدل التوازن، لأن احدا لن يستجيب ولن يقع فريسة حرب نفسية فارغة ، فماذا يملك جماعة الدوحة لتعديل التوازن ؟
- التطورات الميدانية التي تشهدها سوريا تقول ، أن وجهة التغيير التي بدأت من شهرين في ريف دمشق وكانت معركة القصير مفصلا هاما فيها مستمرة ، وأن تعديلها العكسي يحتاج إلى مقدرات هائلة يجب أن تكون متوافرة في الميدان تنتظر قرار التحريك ، ولا يحتاج تحضيرها والزج بها إلى زمن يقاس بالأسابيع ، إذا كان القصد جيوش تتحرك من ثكناتها وشهورا إذا كان القصد تنظيم وتعبئة اجسام شعبية يجري تجنيدها ، بينما التقدم يجري بسرعة على جميع محاور القتال لصالح الجيش السوري
- الشيئ الوحيد المتاح بيد جماعة الدوحة هو كميات من السلاح والمال والذخائر ومجموعات إستخبارية و معلومات تجسسية وبعض الجماعات المسلحة المنظمة من القاعدة وطالبان وحماس كما كتبنا من قبل ، وهذا قد يحقق شيئا من النتائج في الميدان لجهة تأخير روزنامة التقدم التي يحققها الجيش السوري ، لكن لا يمكن تسميته عودة التوازن بدون إستعادة الميليشيات المدعومة من الدوحة للقصير وبلدات ريف دمشق وريفي حلب وحماة التي دخلها الجيش ، وإلا أصبح عنوان المؤتمر هو منع الإنهيار السريع للمعارضة المسلحة وتأخير الإنتصار الحاسم للجيش العربي السوري ، وهذا هدف قابل للنقاش من الزاوية العسكرية لزمن معين وربما يفسر حالة الطوارئ التي رافقت مؤتمر الدوحة
- إذن هم ليسوا في موقع الهجوم ولا في موقع التهديد ولا في موقع القادر على إملاء الشروط ، بل يدركون أنهم في موقع الخائف من الهزيمة الكاملة والساحقة ، ويستنفرون بعضهم بعضا تحت شعار هبوا للنجدة فمواقعنا تنهار ولن يتبقى ما يفيد للتفاوض إذا لم نفعل شيئا ، فليضع كل منكم ما بين يديه قبل فوات الأوان ، وبعضهم يقول إن ما جرى أننا اخذنا على حين غرة وتعرضنا للخديعة ، فقد تفاهم الأسد وحلفاؤه على إعلان الرغبة بحل سياسي تفاوضي يسقط شعار إسقاط النظام ، الذي صار بقاؤه شرط بقاء المعارضة متماسكة و الحكومات الداعمة بحالة قوة ، وترتب على هذا القبول بالتفاوض إنهيار معنوي غير قابل للترميم ، بينما كان الأسد قد أعد لإستغلال إرتباك معكسر اعدائه لإطلاق هجومه الميداني وبدء تحقيق الإنتصارات
- لم تعد التوازنات الدولية والإقليمية ولا الزمن المتاح قبل إستحقاق أفغانستان ، يسمحان بالعودة لشعار إسقاط النظام وإعلان الحرب المفتوحة ، وليس باليد ما يسمح بجعل هذه الحرب ممكنة ، فالحل الوحيد هو إختراع شعار تحت سقف التفاوض يبرر التعبئة والحشد لمنع الإنهيار الكبير ، وتقديم تعويض معنوي للمعارضة المتداعية يسمح لها بإلتقاط انفاسها والصمود
- بين هذه وتلك ماذا سيفعلون ؟
- نتج عن حرب القصير وضع معادلة تركيا الداخلية على نار حامية وتبعتها مصر المتحفزة اصلا وبدأ الحديث العلني والرسمي في قطر عن قرب تسليم السلطة
- الواضح أن معركة حلب قد تفتح مصير هولاند في فرنسا وكاميرون في بريطانيا ، لكن الأهم ان واشنطن تدرك معنى التسويات الكبرى ومستلزماتها ، فأردوغان وحمد هما من صاغ نظرية إن كليهما يجب ان يرحل إذا بقي الأسد ، أردوغان أو الأسد كانت معادلة تركية ، ومثله فعل القطريون بمعادلة حمد أو الأسد يجب أن يبقى أحدهما والاخر يجب أن يرحل
- لما بانت نتائج التفاوض تحت سقف بقاء الأسد و إنكفأ أردوغان نحو الداخل يقلع شوكه ويدمي يديه ، لوح حمد بالرحيل وقرر أن يخوض حربه الأخيرة ، وتحسس الفرنسي والبريطاني ومثلهما سعود وبندر معنى كرة الثلج المتدحرجة
- ما وصفه حمد بالسري هو التعبير عن اليدين الخاويتين من اي شيئ يغير المعادلة ، وما قاله كيري في العلن هو المشروع السياسي المعروض للتفاوض ، أي إعادة تنظيم سوريا على اساس طائفي ، بإعلان فتح الباب للتعبئة المذهبية في المنطقة للمشاركة في الحرب على سوريا ، و تقديم الغطاء لإعلان الجهاد الأخواني والوهابي والطالباني لترجمة معادلة جديدة تفتح باب هوية السلطة الجديدة التي يرغب الأميركي برؤيتها في سوريا
- قال كيري إن على الأقلية العلوية ان تسلم الحكم
للأغلبية السنية في سوريا ، وهو يعلم أن العكس ربما ينطبق على البحرين ، بين الأغلبية
الشعبية الثائرة و غالبها من الشيعة بوجه حكم مذهبي قائم على التمييز العنصري بين الطوائف
والمذاهب ، يشبه في كل شيئ نظام الفصل العنصري البائد في جنوب افريقيا ، فهل تنبه الخليجيون
المشاركون في ادلوحة لهذا الكلام وما يجلبه إليهم ؟
- يعرفون أن في سوريا بالرغم من وجود نسبة من الطائفة السينة قد سارت وراء المشروع المذهبي ، ورغم تأثر شرائح من الطائفة العلوية بخطاب مذهبي مقابل ، فإن البنية الرئيسية الداعمة للرئيس الأسد في الجيش والشعب ، لا تزال مكونة من أغلبية شعبية سورية ممتدة على مساحة كل مناطقها وكل طوائفها ، وأن هذه الوصفة الطائفية تحت شعار طائف سوري غير قابلة للصرف
- الباب الخلفي للمطالية بتنحي الأسد هو طرح الصيغة
الطائفية للحل السياسي ، لكنه باب موصد يقوة الحقائق السورية ، فالمعركة القادمة لها
عنوان سياسي هو محاولة فرض مشروع التنظيم الطائفي لسوريا على جدول أعمال جنيف
- الجواب البديهي هنا هو ، لماذا نختلف على جواب إفتراضي حول كيف ينظر السوريون لبلدهم بالنيابة عنهم ؟ أليس عنوان كل ما يجري هو ماذا يريد الشعب السوري ؟ اليس الطريق لمعرفة الجواب هو صناديق الإقتراع ؟
- بعد هذه الجولة من المواجهة سيكون على جدول اعمال جنيف بندان لا ثالث لهما ، هما من يقدر على المشاركة بوقف العنف يحجز مكانه في تسوية تذهب للإحتكام لصناديق الإقتراع بكل الضمانات اللازمة لتكافؤ الفرص ، ومن يصر على مواصلة القتال يضع نفسه في خانة الإرهاب الذي تملك الدولة السورية كل مشروعية مواصلة القتال ضده
- سقوط الحل الطائفي الذي بشر به كيري هو سقوط فرصة
حمد الأخيرة لتفادي الرحيل و إعلان سقوط حمد بعد سقوط حلب ، كما بدأت مسيرة رحيل أردوغان
و ميرسي بسقوط القصير ، و30 حزيران يبدو موعدا مناسبا لثلاثي الحرب على سوريا لبدء
حزم الحقائب
- دخول الخليج حط الحرب قد يجلب حروبا أخرى فتنبهوا