حرب 'لا تقربوا الصلاة' بين الجزيرة وسلطة أوسلو والفقر لا يعيب ليلى الطرابلسي!

السلطة الفلسطينية 'غسلت غسيلها' والجزيرة نشرته، فما دخل القاعدة الأمريكية على الأراضي القطرية، بعملية نشر الملابس الداخلية للمفاوضات السرية بين أئمة أوسلو والجنود المجندة من أعوان ليفني؟.
يرى عبد ربه في مؤتمره الصحافي أن الجزيرة لم تكن مهنية في عملية التحضير لهذه الوثائق لأنها لم تجلس مع المفاوضين للحديث بشأنها قبل نشرها، فإلى ماذا كان يلمح السيد عبد ربه في هذا الغمز؟ ربما كان الأمل معقودا على صفقة تمنع تسرب تلك الوثائق؟ فالجزيرة مهنيا ليست مضطرة لهذا القنص السياسي ولا تتطلب منها مهنيتها أن تطلع المدان على بنود إدانته في كواليس التحضير، لأنها وببساطة لا تعد برنامجا وثائقيا عن سير المفاوضات حتى تقوم بإشراك المفاوضين فيه تماما كما حدث في البرنامج الوثائقي الذي بثته قناة البي بي سي 4 في أواخر التسعينات 'خمسون عاما من الحرب بين العرب واسرائيل' وقد جمعت كل الأطراف ليقدموا شهاداتهم حول سلسلة من الأحداث التاريخية، لكن الأمر هنا مختلف ولا يحتمل هذا النوع من آلية البحث والتناول فهو سبق صحافي يعتمد على السرية في جمع المعلومات والوثائق مع استخدام الحق باتباع أية وسيلة لا تتجاوز أخلاق المهنة من أجل الحصول على تفاصيلها وعرضها على المشاهد من ثم استضافة المحللين وشهود العيان و عناصر من المعنيين لمناقشة مضمونها وتأكيده أو دحضه بما لا يستخف بعقل المشاهد ويستحمقه!
'وأنتم سكارى' ....
في المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد عبد ربه بعد نشر وثائق الجزيرة حاول تبرير مواقف السلطة والدفاع عنها بمراوغة فأهمل ما أهمل وركز على الرد الثأري الذي يعرج على القاعدة الأمريكية في قطر وكأن الأمر يتطلب عرض فضائح وجود تلك القاعدة الأمريكية على أراضي الدولة القطرية للدفاع عن تفاوض مشين ومعيب لا يليق بتاريخ النضال الوطني الفلسطيني!
الجانب الفلسطيني حاول بكل الطرق منذ اليوم الأول التحجج بمسألة الاجتزاء، أي أن الجزيرة تعرض عبارات اختيارية تقوم باجتثاثها من سياقها على طريقة 'لا تقربوا الصلاة' متعمدة تشويه الحقائق وسياسة خلط الاوراق، لكنك لو عدت لكل العبارات التي أوردتها الجزيرة لن تجد عبارة واحدة غير مكتملة المعنى بذاتها، ومهما كان سياقها لن يغير من الأمر شيئا، فأي سياق ذلك الذي ينقذ مثلا عبارة فياض حول فتح المعابر كي لا تعتبر حماس أن صواريخها أتت أكلها أو عبارات المساومة على تقليص عدد اللاجئين وسياسة تبخيرهم أو إعجاب اسرائيل بأداء المخابرات الفلسطينية التي تغتال المقاومة، أو العبارة الأكثر صدما من عباس حول تألمه لما تواجهه اسرائيل من صواريخ المقاومة، ويا أيها الناس : ' أنتم سكارى، هي قشة عباس!
عريقات يرتجف
في أول ظهور لعريقات على الجزيرة بدا وجهه شاحبا وريقه 'ناشفا' شخصيته ليست تلك الاستعراضية التي عهدناها في لقاءاته الإعلامية، كان مهزوزا ويرتجف من الخوف، ليس لأنه خجل، فالوثائق فعليا لم تأت بجديد بقدر ما أكدت استنتاجات وتحليل صحافيين ومفكرين وسياسيين كبار في عالمنا العربي، وربما كانت فعلا تنافسا صحافيا مع ويكيليكس! مصدر الخوف إذن كان تونس! كيف؟ أبناء أوسلو لم يقيموا وزنا للشارع الفلسطيني ولا هو ببالهم أصلا، إنما هو مصير 'الرئيس المنبوذ' زين الفارين بن علي كما ذكر أحدهم - الذي أمضى ثماني ساعات معلقا في الهواء يبحث عن حليف يؤويه حسب أجمل تعبير على الإطلاق لصالح الأزرق على قناة الحوار التي غطت الحدث بشكل مذهل لذا فإن أول محاولة لعريقات للخلاص من ورطة التواطؤ الإرادي كانت برمي المسؤولية على كاهل الجامعة العربية والحكام العرب لكن ولا حس ولا خبر من الحبايب! كل ما ظفر به المشاهد هو دليل استثنائي على صحة الوثائق يتمثل بسؤال عبد الباري عطوان لعريقات في الاستديو والذي تجاهله تماما ولم يجب عليه وهو عن مفاوضات لا تحكمها الشرعية من حيث الآلية والمضمون وانتهاء الصلاحية لسلطة غير مفوضة للتفاوض بالنيابة عن الفلسطينيين في الشتات والضفة والقطاع والـ 48 .. ولكن أسمعت لو ناديت!

هل تسكت مغتصبة؟
عداك عن أن القدس عروس عروبتهم! فإن الأبلى من ذلك أنها تصبح كرة بل قل كعكة بل قل نكتة يتندر بها المتفاوضون لأنهم بشر معرضون للخطأ ولا يضعون سكاكين على أفواههم كما صرح عبد ربه، كيف نبرر لكم أنكم بشر مثلنا وأنكم خطاؤون ونحن نرى كل ما يفوق التصور من منطق الدقة والجدية وعدم الوقوع في الزلات المقصودة - لدى الجانب الاسرائيلي الذي يتعامل مع الأمر على أنه مرحلة تاريخية دقيقة وليست رحلة مدرسية لمنتزه أو سياحية لمنتجع مشبوه؟
ثأريات عبد ربه في مؤتمره الصحافي تعاملت معها الجزيرة بكل حرفية فنقلتها كاملة ثم لم ترد عليها، لأنها ليست مضطرة للدفاع عن نفسها طالما أن هنالك من الوثائق ما هو كفيل بالرد على السيئة بعشرة أضعافها، فما الذي قصده السيد عبد ربه لما قال أن شراء هذه الوثائق كلف الجزيرة أموالا طائلة، الشعب القطري أولى بها؟ هل كان على الشعب الفلسطيني إذن أن يسن سكاكين المطبخ ليغرسها بكروش من باعوا قضيته وهم يمارسون الشحاتة على ظهره 'بهل من مزيد'؟ أبناء 'أوسلو' بلا حيلة سوى كشف عورات الآخرين حتى يدافعوا عن عوراتهم، وإنهم قلبوها حرب: 'تبادل العورات' ويا جماعة: 'الله ما شافوه ..'!
المضحكات المبكيات
في مواجهة إبراهيم حمامي مع السيد جمال من فتح في حلقة الإتجاه 'الفلسطيني' المعاكس، خرج مندوب فتح لدى الاتجاه عن سياق الحلقة التي تبحث التنسيق الأمني بين السلطة والمحتل ليتهم الحمساويين بقتل عناصرهم بعمليات جهادية ملفقة - ليتزوجوا نساءهم، الغريب أن حمامي لم يرد ولم يدافع ولا حتى حذر السيد فتح فتحا مبينا أو هدده بالقضاء!! لكنه عموما أسلوب فتحاوي آخر يضعك أمام نهج التضليل وقلب الطاولة والتهرب من الحقيقة بانتقاد الطرف الآخر ونكش عيوبه ثأرا منه!
أما الطرفة الاخرى فكانت في مواجهة ياسر زعاترة على الجزيرة مع السيد الضميري الذي دعا للإشادة بمستوى حرفية الأمن الفلسطيني بعد أن عرضت الجزيرة فضائح التنسيق الأمني الذي أقل ما نجم عنه قتل حسن المدهون، وهنا أراد الضميري أن يستبسل بالدفاع عن السلطة بمبدأ الثارات إياها قائلا للزعاترة 'أنتم رميتم حسن المدهون لم تسألوا فيه الآن عز عليكم'!! طيب يا أخي إذا رمته حماس كما تقول هل يعطيكم هذا الحق بقتله' هل المسألة أنكم وجدتم رجلا مرميا بطريقكم فقتلتموه؟ يا مصيبتك يا فلسطين! أية مهزلة نعيشها بين ّإخوة غرماء يتسابقون على الظفر بالهزيمة كغنيمة تنصرهم على الإعلام حيث تصبح المعركة إعلامية بامتياز وتختفي الاعتبارات السياسية بلحظة لصالح السلطة الأقوى: 'الجزيرة' العدو القديم الجديد لفتح، والجزيرة أيضا هي عدو الحريري الذي دعا ليوم غضب صب جامه على مركز البث للقناة والعربية ولا على بالها، ثم يعتب المتظاهرون المصريون على الجزيرة لأنها لم تهتم لشأن مظاهراتهم فلقد توقعوا منها أن تحفز وتشجع وتقيم الدنيا وتقعدها بالتحليلات والأنباء والتغطية على مدار الساعة - كما حصل في ثورة تونس - وكانت الجزيرة تكتفي بالخبر وتطوي الصفحة! لا أدري حقيقة لماذا قصرت الجزيرة مع مصر؟
آكلات الجوع!
قد لا تكون ثورة تونس خاضعة للمنطق الاكاديمي في تعريف الثورة ولكنك إذ ترى أن الشارع وألانظمة في بلادنا تدخل عهدا غير مسبوق في تاريخها الستاتيكي منذ أكثر من ربع قرن، تؤمن أن لكل ثورة ظروفها الخاصة بها التي تحدد معاييرها وشروطها لأنها هي التي تصنع النظرية ولا تتبعها.
ليلى الطرابلسي ليست ماري أنطوانيت لأن تونس ليست فرنسا، إنما قد تشبه هذه الحاكمة المرأة التي خرجت من عالم السيرك والمسارح: 'مندورا' لتدخل قصر الامبراطور الروماني جستنيان حاكمة حاقدة على الجوع وقد ذاقت مرارته، فقامت بتجويع شعبها الذي تجمهر أمام نافذتها يطلب الخبز فحشرته في ساحة عامة ليأكل للمرة الأولى والاخيرة في حياته ما لذ وطاب ثم أمرت شرطتها فأرْدوا الجياع بعد شبع بسهامهم بمجزرة جماعية، وهو ما لم يحصل مع الشعب التونسي لأن ثورتهم ليست ثورة جياع ولم يكن الفقر حتى ليعيب آكلة جوعهم الذي هو خبزهم، إنه الوعي الذي زود الشعب بأدوات استشعار قوامها الكرامة الوطنية التي أسقطت سيرك 'مندورا الطرابلسي' وقد لعبت فيه على ألف حبل وحبل كي تحول تونس إلى مائدة للذئاب، فالتهمتها الثورة في العشاء الأخير ورمت عظمها لعصابات البوليس الضالة في ردهات التاريخ، وسجل أيها التاريخ أن تونس تخرج من بطن الحوت!
كاتبة عربية تقيم في لندن