سعد السيلاوي : الحنجرة الذاهبة


لا لزوم لسرد سجايا سعد السيلاوي هنا، فالخلان والرفاق وزملاء المهنة يعرفونه بما عرفوه، فبينه وبينهم أزمان وازمات، هي من صناعة مهنة المتاعب وهي الصحافة والإعلام، وقد يكون لي أقل المعرفة به، لا بل إنها لقاءات جمعتني به صدفة غالبا وبدون ترتيب مسبق، فلا أدعي أن الرجل صديقي.

وليس الحديث في هذا المقام هو للحنجرة التي حاولت أن تستعصي على المرض، لكنها لم تقوَ في النهاية على الصمود، فذبلت وماتت، قبل أوانها، مما استلزم استئصالها لأن السرطان أنهى عمرها، بل هو حديث بسبب الشجاعة في مواجهة المرض والوفاء للجمهور.

وقف سعد السيلاوي أمام باب المستشفى العام التابع لجامعة «ماغيل» في مدينة مونتريال الكندية مودعاً بصوته، لكن سيبقى موجوداً في معركة الحياة، كان يظن أن الصوت سينوب عنه، لكن أي صوت وأي حنجرة إذا لم يكن محمولاً على نفس طيبة وروح جميلة يكون في الأصل ميتاً بلا روح.

سعد ليس مذيعاً أو مقدم برامج متفرد، لكن صاحب شخصية كانت من صنعه وحده، بادلته الأقدار التقلبات العديدة، وثبت قدم صوته في دنيا الإعلام المليء بالخصومات والكراهيات، حتى صار كبير مراسلي قناة العربية، والعربية كانت آخر كلماته على أبواب مستشفى جامعة «ماغيل».

كانت إرادته وستبقى قوية، تعاند وتصارع من أجل البقاء، وهو حين يُقدر أن وداع الصوت للجمهور أمر يتعدى حدود المهنية، فإنه يؤكد على أن المراسل المهني يظل يداري التعب عن صوته حتى آخر رمق، وهو ما فعله سعد.

صحيح أن السرطان مرض عنيد، لكن الإرادة وحدها التي تهزمه مع الأخذ بالأسباب، وقدر الله الذي يريده لكل منا. أجاد سعد السيلاوي حين هداه حدسه إلى أن جمهوره هم آخر ما كان يجب ان يودعهم بصوته، وأجاد في شجاعته وفي حبه للحياة والناس والأصحاب. لذلك، سيبقى كما كان قبل أن تسافر حنجرته منه، لأن الصوت لو ذهبت حباله وحنجرته فإنه أبقى ودائم ولا يمحي وقعه الزمان.

سجل سعد السيلاوي تقريره الأخير قبل أن ينزع الأطباء حنجرته، وأرسل الفيديو إلى أصدقائه وزملائه في المهنة، إعلانا منه على أن المهنة مسكوبة فيه، وأن الرفاق الذين اعتادوه في العمل لن يبرحوا دارته، وأنه سيعود أكثر قوة وإرادة ليعيش مع أولاده واسرته كما كان دوما، لكنه بالـتأكيد لن يتخلى عن فوضاه وموداته للأصدقاء الذين يفيض بهم قلبه حباً.

لا نقول أن حنجرة سعد ذهبية لن تكرر، أو أنها فريدة حدّ أن نفقدها، لكن ما فائدة الحنجرة مهما كان جمال وحضور صوتها، إن لم يكن لها قلب أبيض ونفس كريمة، وخلق ندي، وحب للحياة، ذلك سعد السيلاوي، سيبقى يحب «الحياة ما استطاع إليها سبيلا»، وسيبقى صوته في ذاكرة جمهوره وزملائه في استوديوهات العربية.