الأمن النّاعم ... ما عاد للصّمت مكان
قلنا وسنظلُّ مقتنعين، أن التّوسع اللامحدود واللامدروس بمفهوم الأمن الناعم، عاد علينا بضياع هيبة الدولة والقانون، ولقد كان من الطبيعي، بل ومن الذّكاء، منذ بداية الربيع العربي، أن تتعامل الدولة وأجهزتها، مع الحراكات المطالبية والسياسية بمفهوم الأمن النّاعم، لاحتواء أيّ أزمة ربما كانت ستهدد أمن واستقرار الأردن، وما زال مطلوبا من الدولة أن تستمرّ في هذا المفهوم، في التعامل مع الحراكات التي أصبحت علامة فارقة في الشّارع العربي، فهذا الشّارع لم يعد كما كان قبل عامين، فلا مجالَ للصّمت ولا مجالَ إلا للإصلاح حتى نهاية الطريق، وبلوغ الهدف الأسمى في حريّة العرب وكرامتهم.
والشّارع الأردني ضمن هذه الحزمة، ولكن... وهنا تبرز لكن كبيرة، حين توسّعنا في الأردن، باستخدام الأمن النّاعم بكلّ قضايانا حتى الجنائيّة، تلك التي باتت تؤرق النّاس، وتهدد أمن المجتمع الأردني، حتى كدنا نخشى حقيقة على حياة الأمن والاستقرار، التي نُباهي بها كل المنطقة العربية، وبتنا نسمع قصصاً ونرى وقائع حقيقية، تعكس بقوة ووضوح ضياع هيبة القانون وهيبة الدولة معاً، وكلُّ هذا نتيجة الشعور عند الكثيرين، من الخارجين عن القانون، أن الدولة اتخذت قرارا بعدم معاقبتهم، أو حتى لم تعد تجرؤ على معاقبة أحد، وإلا ما معنى حالة شبه الفلتان الأمني، التي تسيطر على مجتمعنا، فانتشار السرقات بهذا الحجم، وذلك التّنظيم والاتقان اللذان بات الأردنيون يتحدثون عنهما في الصّباح والمساء، وانتشار مظاهر عمليات البلطجة في شوارع عمان والمحافظات في ساعات الليل، والاعتداء على حرمات الطريق، من قبل أصحاب البسطات والأكشاك، التي باتت تُنصب على الأرصفة دون أي رادع أو رقابة، كلّ هذا رافقه ضياع هيبة رجل الأمن العام، الذي لعبت عوامل كثيرة في تراجع أدائه، أولها أنّ الشّرطي أو الضابط لم يعد يشعر أنّه محمي، إذا تصدّى لمجرم أو خارج عن القانون، حيث بتنا نعرف في الأعوام الأخيرة ظاهرة العطوات العشائريّة، التي يأخذها جهاز الأمن العام، نتيجة ضرب أحد المجرمين أو حتى قتله، من قبل رجل أمن أثناء تأديته لواجبه. هذه واحدة، أما الثانية علينا الاعتراف وبجرأة أن جهاز الأمن العام، قد أصابه معظم ما أصاب أجهزة الدولة من أمراض، لا بدّ من معالجتها واستئصالها فوراً، والتوقف عن الحديث حول هذا الجهاز بقدسية، لا تنفع بل تضر في كثير من الأحيان، فقد أصبح من الضروري إعادة النظر بأداء رجل الأمن العام، وطريقة تأهيله من جديد، شريطة شعوره أولاً بالأمن، وأن الدولة تحمي ظهره، حتى يستطيع أن يقوم بواجبه المطلوب منه.
من جهة أخرى، يلحُّ على الأردنيين جميعاً سؤالٌ، ما علاقة الأمن الناعم بالسماح بتفكك الإدارات المحلية في المحافظات والألوية؟ فما عاد مسؤول مَهما كانت درجته على السلم الوظيفي، يستطيع مراجعة أو محاسبة أو تقويم سلوك الموظف الذي يتبع له إدارياً، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من ضياع لهيبة القانون، وتدمير لأداء الإدارات المحلية، وبالتالي للخدمات المقدمة للمواطنين، وتعدّى الأمر لهيبة القانون نفسه، فغرقت مُدننا وقُرانا بفوضى لم نعهدها من قبل، على كل المستويات الإدارية والخدمية، ولن يكون اخرها تهميش صورة امتحان الثانوية العامة.
قلنا ان الأمن النّاعم يُطبّق على حراكات سياسية، تعمل تحت مظلة الدستور والقانون، ويكون الحوار السبيل الوحيد للتعامل معها، أما أنْ تُترك الأمور هكذا على عواهنها، لا نفرق بين الغثّ والسّمين، فهذا أمر يُنذِر بخطورة على المجتمع والدولة بآن واحد. لا أحد يستطيع أن يفهم، لماذا هذا السّكوت المطبق من أجهزة الدولة المختلفة، على الإساءة المستمرة للرموز الوطنية، علناً وفي وضح النّهار، دون أن تحرك ساكناً تجاه البعض، الذي تعوّد على هذه الطريقة المرفوضة في التعبير عن رأيه؟ ولم تقف الأمور عند هذا الحدّ، فما حدث ظهر الجمعة الماضية، يُنذر بشيء خطير، حين اشترك في المسيرة أمام المسجد الحسيني، مئات السوريين الهاربين من القتل والدمار، إلى أمن الأردن واستقراره، وهتفوا ضدّ رموزنا الوطنية، فما علاقة الأمن الناعم، بالسكوت عن هذا التجاوز الخطير في الشارع الأردني؟! وإذا تمّ السكوت عن هذا فإننا لن نستغرب غداً، إذا رأينا مسيرة في وسط البلد من الخادمات السيرلانكيات، أو الفلبينيات، يُسِئْنَ إلى رموز الوطن، أمام نظر كلّ من يعنيه الأمر،
يقول الله تعالى « وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ»، أي عبرة واتعاظا وردعا..
لم يعد هناك مجال للصّمت، على ما يحدث من تدمير لهيبة القانون والدولة، ولا حجة لأحد من المسؤولين، على اختلاف مسؤولياتهم، في الجلوس صامتين إزاء هذا الوضع... هل نريد من جلالة الملك نفسه، أن ينزل للشّارع ويحفظ القانون، ويُعيد للدولة هيبتها؟!.
لقد أشار جلالة الملك، إلى هذه القضية بحزم، في مؤتة الأسبوع الماضي، وألمح إلى ضرورة قيام أجهزة الدولة بواجبها، بالحفاظ على أمن الأردنيين، وحياتهم وهيبة دولتهم، فهل الرّسالة الملكيّة، لم تصل إلى المعنيين بعد؟!!
قالت العرب «مَن أَمِنَ العقوبة أساءَ الأدب»..
الدستور