إقرار بالذمة المالية

المطالبة النيابية بقانون "من أين لك هذا؟" تذكرني بالجدل الذي رافق قانون إشهار الذمة المالية لسنة 2006، والمقاومة والمماطلة التي رافقت إقراره، والنزاع الذي حصل بين مجلسي الأعيان والنواب على تحديد الأفراد الذين يخضعون لأحكام القانون، والأهم المصير الذي آل إليه هذا القانون.

الحكمة من القانون كانت حصر الأموال المنقولة وغير المنقولة للمكلفين وأبنائهم القصّر، قبل تسلمهم المسؤولية العامة، والعودة إلى إقراراتهم المالية في حال التحقيق مع أي منهم في شبهة فساد، للنظر في مصدر ما طرأ على هذه الأموال من زيادات خلال مدة تسلمهم مواقعهم الرسمية. الهدف من القانون إذن الشفافية والنزاهة ومقاومة الفساد.

اليوم، بعد خمس سنوات ونيف، نكتشف أن عشرات من المسؤولين ممن تسلموا أرفع المناصب لم يلتزموا بالقانون، ولم يقدموا إقراراً خطياً بأموالهم وممتلكاتهم داخل البلاد وخارجها لدائرة إشهار الذمة المالية في وزارة العدل، الجهة المخولة بالاحتفاظ بالنماذج المخصصة التي تعبأ من قبل المكلفين ويتم تسليمها بالظرف المغلق للدائرة. يصل عدد المكلفين بتقديم إقرارات الذمة المالية لأكثر من ألفي مسؤول في السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ويحدد القانون مدة 3 أشهر كحد اقصى للمكلف لتقديم إقرار بالذمة المالية. وفي حال تخلفه، يتم توجيه إنذار عدلي له من قبل الدائرة المتخصصة. وفي حال عدم التجاوب، يحال المخالف إلى المدعي العام لمحاكمته أمام المحكمة المختصة.

الأرقام التي في حوزتي تكشف أن أكثر من 500 مكلف لا يلتزمون بتوريد إقراراتهم المالية للدائرة المختصة إلا بعد توجيه إنذارات عدلية لهم. فيستجيب غالبيتهم ويقدمون إقراراتهم. ويتخلف حولي 50 مكلفاً سنوياً عن الاستجابة ولا يتجاوبون مع الإنذارات الموجهة إليهم، فيتم تحويل ملفاتهم إلى المدعي العام الذي يقوم بدوره بإحالتهم للمحكمة المختصة. الفاجعة أن المحاكم تحكم على المخالفين لأحكام القانون، المتهربين من تقديم إقرارات الذمة المالية، بمخالفة مقدارها خمسة دنانير فقط لا غير (أقل من مخالفة سير)، وتنتهي القضية عند هذا الحد. وليس هناك نص في القانون يلزم المكلف-المتهرب-المدان قضائياً بالالتزام وتقديم إقرار بذمته المالية.

هكذا ببساطة يتهرب أكثر من 100-150 مكلفا من كبار مسؤولي الدولة من تقديم إقرارات بذممهم المالية، لأنه ليس في القانون عقوبات رادعة.

هكذا أفرغ القانون من مضمونه، ما يوجب معالجة هذه الثغرة القانونية، وإلزام المكلف بتقديم ما يطلب منه تحت طائلة عدم أهليته لتسلم المنصب المسؤول، والإعلان عن أسماء المتخلفين المحالين للقضاء للجمهور والرأي العام. العقوبات الرادعة وحدها تجبر المتهربين على الالتزام بقانون يستهدف خدمة الشفافية والنزاهة، والمسؤول الذي يتهرب وفي بطنه عظام كما يقال، ليس أهلاً للمسؤولية.

الحكومة ومجلس النواب مطالبان بتعديل القانون فوراً، أما أسماء الذين تهربوا من تقديم إقرارات ذممهم المالية، فمطلوب الكشف عنها، وتقديمها للرأي العام. وهذا ما سوف يكون موضوع سؤالي للحكومة، مطالباً بكشف أسماء المسؤولين الذين تهربوا من تقديم كشوفات