السر الحقيقي في لقاء بوتين - كاميرون


لم تمض اربع وعشرون ساعة على تصريحات الرئيس الاميركي اوباما في السادس عشر من الشهر الحالي بتسليح المعارضة السورية حتى ابلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم التالي رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال لقائه به في لندن رسالة الى اوروبا وردا على تصريحات اوباما حملت تهديدا صريحا .

 فالرئيس الروسي الذي تحدث بثقة عالية ومن موقف القوي اكد للعالم بان روسيا دولة شرعية وذات سيادة وتتعاطى مع النظام السوري بصفته نظاما شرعيا ويملك السيادة على الارض السورية . ويتضح من حديث بوتين بان روسيا جادة في تسليح الجيش السوري باحدث واقوى الاسلحة وهو ما اكده بوتين لكاميرون من انه سيتم اخراج اسلحة نوعية من روسيا ولاول مرة الى الجيش السوري مع خبراء روس وان منظومة الباتريوت الامريكية في الشرق الاوسط سيتم تدميرها بصواريخ اس300 الروسية كما يتضح ايضا نوايا روسيا تزويد الجيش السوري بصواريخ اس 400 الاقوى من الباتريوت وراجمات صواريخ يصل مداها الى 60 كيلو مترا وهي الاحدث والاقوى عالميا .

 كل هذه الترسانة اضافة الى اسلحة ذات طابع سري سترسلها روسيا الى سوريا الامر الذي يقلب موازين القوى في المنطقة، مع تأكيدات روسية بعدم استخدام هذه الاسلحة ضد اسرائيل الا اذا تدخلت الاخيرة في الشأن السوري لصالح ما يسمى المعارضة من التكفيرين والفصائل المتطرفة كما يسميهم الرئيس بوتين . من لندن هذه المرة اعلن العملاق الروسي بان الشرق الاوسط سيشهد امرا عجيبا ، يبدأ بتسليح سوريا بأسلحة لم تخرج الى العلن من قبل ومنها صواريخ المخاطبة التي تعمل بالكومبيوتر وتنطلق نحو الهدف مباشرة بعد تحديده ، وصواريخ ارض بحر قادرة على تدمير الاهداف البحرية على مسافة 250 كيلو مترا من السواحل السورية حسب بوتين . هذه هي الرسالة التي حملها رئيس الوزراء البريطاني الى قادة الدول الاوروبية بعد لقاءه بوتين، متضمنة تهديدا للولايات المتحدة لثنيها عن المغامرة بتسليح المعارضة السورية. وفي تحليل سريع ولكن معمق لاقوال الرئيس بوتين نستنتج بان المشروع الامريكي لتدمير سوريا وصناعة شرق اوسط جديد قد فشل بامتياز وبدأت امريكا اليوم كما نرى على ارض الواقع بمعاقبة ادواتها في المنطقة التي اعلنت فشلها في تنفيذ تعهداتها باسقاط النظام السوري وتفكيك الدولة السورية . وامريكا لمن لا يعرفها لا تتعامل مع اصدقاء او حلفاء في العالم ، بل مع ادوات تنفيذ لمشاريعها الاستعمارية نجدها اليوم تعاقب هؤلا وبدأت بالاضعف في استبدال الامير حمد بنجله ليذوق مرارة الكأس التي اذاقها هو نفسه لوالده من قبل ولم يشفع له الانفاق وضخ المال في دول ما يسمى الربيع العربي فها هو الحبل يلتف على عنقه ليترك الساحة لولده من بعده. هذه هي امريكا ومن يتعامل معها عليه ان يدرك انها ترمي به على قارعة الطريق اذا شعرت بتهديد مصالحها او وجدت خادما افضل . امريكا التقطت الرسالة الروسية بسرعة وقرأت ما بين سطورها جيدا لذا بدأت تقلل من اهمية ونوعية السلاح الذي وعد به اوباما المعارضة السورية وتتناول الموضوع بخجل واضح ليقتصر ربما على الاغذية والمناظير الليلية والاسلحة الخفيفة ، كما بدا واضحا سعي الولايات المتحدة الى تفكيك الائتلاف الوطني السوري الذي اثبت هو الاخر فشله في توحيد المعارضة واجتماعات اسطنبول وانقره الاخيره للائتلاف كشفت مدى ضعف هذا الفصيل الرئيسي في المعارضة مما دعا امريكا للبحث عن معارضة جديدة وائتلاف جديد يتمكنوا ان يسوقوه الى مؤتمر جنيف 2 وهو ما تعهدت به الادارة الامريكية في التوافق الامريكي الروسي بين وزيري الخارجية لافروف وكيري في موسكو في آيار الماضي لاجراء مفاوضات وفق منهجية ترضي امريكا ، لان اطالة الحرب اصبح يعني لامريكا تهديدا لمصالحها والمصالح الاسرائيلية في المنطقة على حد سواء. فالعقاب الامريكي لن يقتصر فقط على قطر والائتلاف السوري بل يشمل المتعهد التركي ايضا والذي سمحت امريكا للمعارضة فيها للخروج والتعبير تمهيدا لاسقاط حكومة اردوغان لعدم وفائها بالتزامها تجاه الازمة السورية ، ويبدو ان احدا من المتعهدين في تفكيك سوريا لن ينجو من الغضب الامريكي آجلا ام عاجلا. وهنا لا بد لي من ايضاح ما لا يعرفه الاردنيون ليس جميعهم عن المواقف الروسية والدور الروسي الايجابي تجاه الاردن والمتمثل بالموقف العقلاني من الازمة السورية منذ بداياتها الاولى عندما وقفت روسيا ضد التدخل العسكري الاجنبي والذي كان من الممكن له ان يحصل لولا الفيتو الروسي والصيني المتكرر في الامم المتحدة وهو ما جنب المنطقة والاردن تحديدا تداعيات هذا التدخل والتي لا شك احدثت تغييرات كبيرة في المنطقة دفع الاردن فيها الثمن الباهظ وعلى راسها تدفق ملايين السوريين دفعة واحدة ودخول الجماعات التكفيرية والسلفية المتطرفة عبر الحدود لتشكل مع جماعة الاخوان المسلمين المسكونين حينها بغمرة الانتصارات الوهمية للتنظيم في تونس ومصر وليبيا خطرا حقيقيا على الامن والاستقرار والنظام في الاردن . لذا رأينا الروس يوجهون النصح والتحذيرات للاردن من الانزلاق في الازمة السورية وهو ما لاقى تفهما من القيادة الاردنية الحكيمة بحكم العلاقة التاريخية والشخصية الوطيدة بين الزعيمين الملك عبدالله الثاني والرئيس بوتين و تمكن الاردن من المحافظة على موقف الحياد بالرغم من الضغوط التي مورست وتمارس عليه حتى اليوم، واستطاع تأمين جبهته الداخلية بعملية الاصلاح التي يقودها جلالة الملك والتي تلقى استحسانا ومباركة من جميع قادة العالم ليفوت بذلك الفرصة امام من يدعون الاصلاح من التدمير والتخريب.

وبذا يكون لروسيا دور كبير في افشال المشروع الامريكي في المنطقة وما زال هذا الدور مستمرا وستمارس روسيا باعتبارها القطب السياسي والعسكري القوي في العالم اليوم ضغوطا على الولايات المتحدة الضغط لاقناع اسرائيل بتطبيق القرارات الدولية فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، حيث يشهد هذا الملف حراكا امريكيا روسيا وجهودا اردنية وفلسطينية مشتركة من اجل اطلاق مبادرة سلام جديدة تنهي الصراع وتحقق قيام الدولة الفلسطينية وهو ما سنشهده قريبا من انفراج في المفاوضات بين الطرفين.