لماذا وجّه مرسي بوصلته إلى سوريا؟
بعد أكثر من أربعين سنة من ابتعاد مصر عن
سياستها القومية العروبية واتباع سياسة تلتصق بالولايات المتحدة بصورة حرفية، أصبح
من الطبيعي ان تجد مصر الحكم غير معني بالشأن العربي بعد ان صعد «الإخوان المسلمون»
إلى السلطة.
ان «الإخوان المسلمين»، لمن لا يعرف حتى
الآن، لا يؤمنون بالقومية العربية ولا حتى بالوطنية المصرية. و«الإخوان المسلمون» ارتبطوا
بالسياسة الأميركية في المنطقة ارتباطاً كاملاً. هكذا كان موقفهم منذ بداية التأسيس.
ارتبطوا قبل ذلك ببريطانيا عندما كانت بريطانيا تقوم بالدور الاستعماري الأول في المنطقة
العربية. وهم الآن يرتبطون بالولايات المتحدة التي تؤدي دور الهيمنة الكاملة على المنطقة.
لكن الأحداث الجارية في المنطقة، وفي مصر
بشكل خاص تكشف، كما لم تكشف من قبل، ان مصر دخلت مرحلة مقاومة هذه السياسة بعد عام
واحد من تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية في مصر. وتنبئ المواجهة الخطيرة بين الشعب
المصري و«الاخوان المسلمين» بصدام بينهما لا يعرف احد مداه. ومع ان الدلائل كلها تشير
إلى ان أحداث مصر تتجه في هذا الاتجاه، الا ان «الاخوان المسلمين» قرروا ان يعمقوا
تحالفهم مع الولايات المتحدة في واحدة من اخطر الخيارات التي قررها «الاخوان».
هل يمكن القول إن «الاخوان المسلمين» لا
يفهمون جيدا جدية موقف الشعب المصري بعد ان كشفهم بالتجربة العملية في الحكم؟ نعم.
فهذا هو التفسير الوحيد لأخطر قراراتهم. ويتمثل هذا في اختيار التصدي للشعب المصري
في قراره بضرورة تنحية «الاخوان المسلمين» عن حكم مصر، بما في ذلك تنحية محمد مرسي
من الرئاسة، واختيار الخروج من الدائرة المصرية للصراع إلى دائرة «إسلامية» تسير باتجاه
الولايات المتحدة. هذا هو المعنى الوحيد لقرار مرسي بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية
مع سوريا وقراره في الوقت نفسه بفتح الباب لإرسال قوات إلى سوريا، للوقوف في صف المعارضة
دعماً للأهداف الأميركية التي تبلغ حد تحطيم سوريا وتجزيئها إنهاءً لدورها في المنطقة
العربية.
لم يهتم مرسي في إصدار هذين القرارين بأن
يخفي التتالي بينهما وقرار واشنطن بتزويد المعارضة السورية بالأسلحة. وقد اضطر مرسي
اضطراراً إلى اتخاذ هذا الموقف تحت ضغط أميركي صريح بأن التأييد الأميركي له ولحكم
«الاخوان المسلمين» موضع نظر، ويمكن ان يسفر عن سحب البساط من تحت أقدام هذا الحكم
انتظاراً لمعرفة ما يأتي بعده تحت ضغط ثورة الشعب المصري. ومرسي، كما تعرف مصر كلها
بمن فيهم «الاخوان المسلمون»، لا يتخذ قراراته بنفسه إنما يأتمر بأوامر زعمائه في التنظيم
الاخواني. وهؤلاء لم يعملوا أي حساب لقرار الجماهير المصرية بالمضي قدماً في الاتجاه
نحو هدف عزل «الاخوان المسلمين» من السلطة. ولهذا لم يدرك هؤلاء الزعماء حقيقة تصميم
الجماهير الشعبية المصرية على إكمال الطريق في هذا الاتجاه اياً كانت النتائج.
لقد فوجئ «الاخوان المسلمون» الزعماء والتنظيم
بأن قرار مرسي المتعلق بسوريا قد فجر غضباً عارماً في الجماهير المصرية. كان أول رد
فعل للجماهير المصرية إزاء هذا القرار انه إعلان حرب ضد سوريا. وكان السؤال الذي تلا
هذا التفسير: لماذا إعلان الحرب على سوريا وليس على اسرائيل؟ سار رد الفعل الشعبي المصري
في هذا الاتجاه منذ اللحظة الأولى لقرار مرسي. نطق به رجل الشارع المصري العادي كما
نطق به المفكرون والمحللون السياسيون والصحافيون، باعتباره التفسير الوحيد لموقف «الاخوان
المسلمون». أما الولايات المتحدة، فإنها لم تهتم بأن تهدّئ من خواطر زعماء «الاخوان
المسلمين» بمن فيهم محمد مرسي. هكذا تفعل الولايات المتحدة عادة في مثل هذا الموقف.
بل ان الولايات المتحدة وجدت مبررا للاتجاه صوب الترحيب بفوز رئيس إيراني إصلاحي أو
معتدل في الانتخابات الإيرانية التي جرت منذ أيام، متجاهلة تماماً الموقف الرسمي المصري
بإعلان الحرب ضد سوريا.
حتى في عهد عبد الناصر كانت الطامة الكبرى
في الوضع السياسي ان تسير مصر في اتجاه وتسير سوريا في الاتجاه الآخر. وهذا هو ما يحدث
الآن في عهد ابعد ما يكون بملامحه العقائدية والسياسية عن عهد عبد الناصر. ما الذي
يحدث الآن في مصر وما الذي يحدث الآن في سوريا؟ لماذا ابتعدتا إلى هذا الحد؟
لعل الإجابة الحتمية على هذا السؤال الأخير
هي ان اخوان مرسي أو مرسي «الاخوان» انما يريدون إبعاد النظر عن يوم «30/يونيو» الذي
يقترب بسرعة مذهلة منذراً بإزالة حكم «الاخوان المسلمين» شعبيا. وربما ينذر في الطريق
إلى تحقيق هذا الهدف بما هو اخطر من ذلك. ان التوقعات المصرية تذهب إلى احتمال صدام
عنيف بل ودموي بـــين الجماهير المصرية ومن يبقون على ولائهم «للاخـــوان المسلمــــين».
هـــذا احتمال ليس مستـــبعداً بأي حال وبصورة كلـــية، ولا احد يجرؤ على تصور نهايـــة
لهذا الصدام إلا تلك التي تزيل «الاخوان المسلمين» من المشهد. لأنـــه فـــي الحـــالة
الراهنة ليس من احتـــمال لان تزول الجمـــاهير المصرية أمام «الاخـــوان المسلـــمين»
حتى لو كانوا مسلحين. والاحتمـــال الأكـــبر إذا حمـــل «الاخـــوان» السلاح ضد الجماهــــير
المصـــرية ان يجــدوا، أي «الاخوان»، أمامهم القـــوة المسلحة الرئيسية التي لا قبل
لهم بها وهي قوة الجيش المصري.
لقد تركز اهتمام الجماهير المصرية في الأسابيع
والشهور الأخيرة بمعرفة موقف الجيش المصري في حالة ما إذا حدثت مواجهة في مصر بين الشعب
المصري و«الاخوان». وبمضي الوقت أصبحت جماهير الشعب المصري، أو أغلبية كبرى منها، أكثر
اقتناعاً من أي وقت مضى بان الجيش المصري سيقف بجانب الشعب المصري وليس إلى جانب فريق
أو تنظيم بعينه. أصبح الجيش المصري، بقياداته التي تؤثر إطلاق تصريحات عامة قابلة لتفسيرات
عديدة، أكثر ميلا من أي وقت مضى إلى إيضاح حقيقة بالغة الأهمية في هذا التوقيت بالذات،
هي انه ينحاز لجماهير الشعب المصري بلا تردد وعلى طول الخط. وفضلا عن هذا فليس هناك
أي احتمال بأن ترسل قوات مسلحة مصرية إلى سوريا لمحاربة النظام السوري. وإذا تساءلنا:
ألا يدرك «الاخوان المسلمون» وزعماؤهم هذه الحقيقة؟ فإن الإجابة المؤكدة على هذا السؤال
هي ان «للاخوان المسلمين» اهتمامات عقائدية تتجاوز حدود مصر وحدود أي وطن. وينبغي ان
لا يذهب احد نحو اعتقاد أن قرار مرسي بإرسال قوات ومتطوعين إلى سوريا هو قرار بعيد
عن صراع «الاخوان المسلمين» في مصر. انه، كما فسرته الجماهير المصرية، قرار بإعلان
حرب بهدف تجميع «الاخوان» في مصر وسوريا والعراق وليبيا واليمن والأردن، وعلى نطاق
أوسع من حدود الوطن العربي، يشمل بلداناً إسلامية تشارك الآن في حرب سوريا مثل الشيشان
وباكستان وأفغانستان ويشمل حتى «الاخوان المسلمين» بين مسلمي أوروبا الغربية.
قد يميل بعض العرب والمسلمين إلى الاعتقاد
بأن دور «الاخوان المسلمين» هو ما تريد الولايات المتحدة استغلاله، ولهذا تشغلهم في
حرب تأخذ في الاتساع فلا تعود تشمل سوريا وحدها، إنما يمكن ان تشمل مصر وتركيا والاردن،
ويمكن ان تمتد إلى بلدان المغرب العربي والى بلدان إسلامية في افريقيا. وهذا وضع يخلق
تعارضا بين أهداف أميركا وأهداف أوروبا. ولكن من الواضح ان أميركا بقراراتها الأخيرة
بشأن سوريا ومصر لا تمانع في الذهاب إلى ابعد من حدود الشرق الأوسط، ولا تمانع في التناقض
مع أوروبا. وربما لهذا تناقض موقف كل من بريطانيا وايطاليــــا والنمـــسا ومواقف دول
أوروبية أخرى مع الموقف الأميركي الأخير بفتح طرق السلاح إلى سوريا. وتتصور الولايات
المتحدة ان باستطاعتها تجاوز هذا الاختلاف.
على أي الأحوال ليس في مواقف الأطراف المختلفة
من هذه الأزمة ما يوحي بأنها تخطط جيداً بناءً على فهم دقيق للتفصيلات. ينطبق هذا على
الولايات المتحدة وأوروبا وعلى الأطراف المحلية والإقليمية. وهذه تبدو اكثر تردداً
وارتباكاً. وهو ما ينطبق بشكل خاص على مصر والأردن ودول الخليج النفطية التي تؤدي أدوارا
محددة في الصراع الراهن ومع ذلك لا يبـــدو انها حسبت جيدا حسابات التطور لهذا الصراع.
انها ترتكن على الحسابات الأميركية. والحسابات الأميركية لا تهتم الا بمصالحها بالدرجة
الأولى والثانية وربما أكثر.
وينطبق هذا على خطوة محمد مرسي التي أخذته
باتجاه حرب في سوريا. انها خطوة فرار لا تعرف إلى أين تنتهي