على مدى السبت والاحد الماضيين وتحت رعاية رئيس المجلس القضائي نظمت رئاسة النيابة العامة ( المؤتمر الاول للنيابة العامة – واقع وطموح - ) , ورغم أهمية المؤتمر وأوراق العمل المقدمة الا أن وسائل الاعلام الاردنية غابت غيابا تاما حتى عند مناقشة محور ( النيابة العامة والاعلام ) الامر الذي حدا بعطوفة النائب العام الى الاشارة الى هذا الغياب قائلا بأسف لو كان الامر يتعلق بمؤتمر فني لكان الحضور الاعلامي كبيرا . 

وبحضور رئيس محكمة العدل العليا ورئيس النيابات العامة والنواب العامين وأكثر من سبعين مدعي عاما ناقش المؤتمر كافة الجوانب المتعلقة بعمل النيابة ودورها في المجتمع ومركزها القانوني كسلطة تحقيق وتنفيذ لأحكام القانون وقرارات المحاكم الجزائية , كان أبرزها العلاقة بين النيابة العامة ووسائل الاعلام , وكذلك موضوع استقلالية النيابة العامة , وضمانات المتهم في مرحلتي التحقيق والمحاكمة , والعلاقة بين النيابة والضابطة العدلية وبخاصة الشرطة القضائية وأدارة المختبرات والادلة الجرمية . 

ولقد كان المؤتمر بالفعل سابقة أيجابية تسجل للنيابة العامة هذا الانفتاح العلمي التدريبي والاعلامي غير المسبوق فقنوات الحوار الموسع بين أفراد السلطة القضائية كانت مغلقة تماما الى سنوات معدودة خلت , ولم تكن هناك قنوات حوار متخصص موسع بين أفراد النيابة العامة سواء في الدائرة المغلقة أو الدائرة المنفتحة على الاكاديميين والاعلاميين كما هي الان , فقد تبلور أدراك عميق بحق المجتمع في الاطلاع على عمل النيابة العامة وسير القضايا التي يجري التحقيق فيها والاطمئنان على رسوخ أستقلال النيابة العامة وعدم استجابتها لأية توجيهات أو ضغوطات خارج نطاق القانون . 

كان المؤتمر فرصة ذهبية فاتت على الاعلاميين لفهم ومناقشة علاقتهم مع رجال الادعاء العام المكلفين بالتحقيق في قضايا الفساد والقضايا التي تهم الرأي العام وقضايا الحريات الاعلامية . 
لقد كنا نلاحظ كثرة عدد القضايا المسجلة ضد الاعلاميين وبخاصة العاملين في المواقع الالكترونية الاخبارية , وذلك بسبب ضعف المعرفة القانونية لمحددات النشر الصحفي القانونية , وكان مؤتمر النيابة فرصة لمد جسور التعاون والتفاهم بين رجال الاعلام ورجال النيابة العامة , وبناء علاقة تشاركية بينهم ما دام هناك قاسم مشترك واحد وهو الوصول الى الحقيقة وسيادة القانون وحماية المال العام . 

ويبدو أن المنظمين و المشاركين في المؤتمر قد توصلوا الى قناعة وتوصية بضرورة وجود دائرة للعلاقات العامة والاعلام لدى النيابة العامة وناطق أعلامي للنيابة تكون مهمتهما تنظيم العلاقة بين النيابة العامة ووسائل الاعلام المحلية والاجنبية , ومتابعة ورصد المعلومات والاخبار التي تنشر في وسائل الاعلام والتي في كثير من الاحيان ما تكشف عن اعتداءات على المال العام أو الحريات أو المرافق العلامة للدولة وتستوجب الملاحقة والتحقيق . 

كما أستقر الحوار على أن النيابة العامة ليست دائرة مغلقة وسرا من الاسرار فبقدر ما تكون مجريات التحقيق في بعض القضايا سرية حفاظا على الادلة الجرمية وعدم أستفادة المتهمين من نشرها في اخفاء أدلة أخرى , بقدر ما للمدعي العام من سلطة تقديرية في الموافقة على النشر في حالات يكون فيها النشر مفيدا لتهدئة الرأي العام وخاصة في قضايا القتل المنظورة لدى نيابة محكمة الجنايات الكبرى والتي يمكن من خلال التعامل الاعلامي المدروس معها السيطرة على دوافع الاخذ بالثأر , وفي قضايا الفساد والمال العام , ولنشر الاطمئنان الى سير التحقيق وعدالته وعدم الاستجابة لأية ضغوطات مهما كانت , ومنعا لانتشار التأويلات والاخبار المفبركة والاشاعات التي تثير البلبة وتشكك بحياد السلطة القضائية . 

وبنتيجة الحوار ( الساخن ) الذي دار يوم الاحد حول العلاقة بين النيابة العامة والاعلام يبدو أن التوجه الى عقد مؤتمر أو ورشة عمل مشتركة بين النيابة العامة ورجال الاعلام سيأخذ طريقه الى التنفيذ. 
مرة أخرى نقدر للنيابة العامة هذه المبادرة الايجابية ونأمل أن تفكر محكمة العدل العليا في تنظيم مؤتمر مشابه يشارك فيها كافة أطراف القرار الاداري في الدولة .