مُرسي يُعلن الحرب على سورية!
وجد الرئيس المصري محمد مرسي الإخواني الحل لكل مشاكل مصر، وحدد المخرج، وبدأ بتنفيذ ما ألهمه به المُرشد مجلس شورى الإخوان.
البطالة والفقر في مصر لها حل.
المديونية التي تتصاعد أرقامها الفلكية لها حل.
انعدام الأمن في ربوع مصر المحروسة له حل.
التلوث في القاهرة له حل، وأكوام القمامة لها حل.
تمزق صفوف الشعب المصري العريق، وما يعانيه أبناؤها الأصلاء من تطاول عليهم، وامتهان لحقوقهم..له حل.
انحطاط التعليم له حل.
فوضى المواصلات لها حل.
غضب الشعب المصري، وانفضاضه عن (الإخوان) الذين فشلوا في قيادة مصر..له حل.
النيل الذي غنّى له بلبل الشرق محمد عبد الوهاب (النيل نجاشي)..النيل الذي قال فيه هيرودوت ما هو جدير به: مصر هبة النيل!..هذا النيل الذي لولاه لكانت مصر صحراء قاحلة، ربما يعبرها المغامرون، ويسكن في مفازات قليلة فيها بعض البدو الرحل، أو المغامرون، ولكنها لن تكون هبة، فهي بدونه ستكون خدينة العدم، وقطعا ما كانت لتكون أرض الحضارة الفرعونية، والأهرامات، وطويل العمر (أبوالهول)..النيل المهدد بانخفاض منسوب مياهه التي سيحجبها سد (النهضة) الأثيوبي..له حل!
هذا النيل الذي كتب عنه منذرا ومحذرا الصحفي المصري الكبير الراحل (كامل زهيري) كتابه الهام جدا (النيل في خطر)، و..أمّا الخطر فهو من جر مياهه إلى الكيان الصهيوني بصفقة مع السادات، أو بالتآمر على مجراه لحجب مياهه المتدفقة منذ ألوف السنين من غرب بحيرة فكتوريا في أوغندا، ومن أثيوبيا، ليلتقي النيلان الأزرق والأبيض في(أم درمان) بالسودان، وقد تمتعت بمشاهدة هذا الاتحاد المائي بأم العين من الطابق الرابع عشر في أحد فنادق الخرطوم..ويا ما أحلى مشهد (وحدة) النيلين، ويا ما أعظم المجرى الهائل الجدير باسمه الذي يطلقه عليه أهلنا في مصر (بحر النيل)..هذا النيل المهدد بانخفاض منسوب تدفقه، وتمويت مصر عطشا..له حل!
أثيوبيا التي لم تعد ( نجاشية) ستبني على النيل الأزرق، وهو ينبع من أراضيها، سدا عملاقا أسمته سلفا سد (النهضة)، وسيحجب كما يبدو مياها كثيرة عن مصر، وسيتسبب لها بمشاكل لا تنقصها، وهو ما دعا خبراء مياه، وقادة سياسيين، وأصحاب رأي، وصحفيين، ومفكرين ..أن يدعوا للتنبه إلى أن الكيان الصهيوني له دور كبير في ما يجري، بل إنه يحرض دولاً أفريقية أخرى لبناء مزيد من السدود على النيل، بحيث لا يبقى لمصر سوى القليل من ماء الحياة، وهو ما يعني أن حبلا سيلف حول عنق مصر، وأن (حياتها) شربا، وزراعة، وصناعة، وكهرباءً، وسدا عاليا..ومدنا، وحضارة، ومدنية..ستكون في خطر التصحر!
الرئيس المؤمن الإخواني محمد مرسي وجد الحل، والمخرج، و..في حفل تضامني مع (الشعب السوري) في ستاد القاهرة، أعلنه بصوت غليظ مزمجر: قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية (النزام)، وطرد السفير السوري، وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق!.
لم يكتف مرسي بذلك، بل دعا لإنشاء منطقة حظر جوي في سورية، ووعد بالعمل على عقد مؤتمر قمة عاجل!..لاتخاذ قرارات لصالح (الشعب السوري)!
نتوقف قليلاً: قبل يومين من خطاب مرسي، أصدر عدد من الشيوخ التقوا في القاهرة فتوى تحض على الجهاد في سورية!..وتكفر مسلمين يصلون ويصومون..ويقاومون أيضا!.
من أفتوا في القاهرة لم يفتوا من قبل حاضين على الجهاد في فلسطين، لإنقاذالقدس التي تهوّد، والأقصى الأسير..أليس هذا عجيبا؟!
مستشار الرئيس المصري صرح قبل يوم من خطابه: من يتوجه إلى سورية للجهاد لن نمنعه، وعندما يعود لن يخضع للمساءلة. أليست هذه دعوة لأبناء مصر للتوجه (الجهاد) في سورية؟! لا عجب فالمستشار أخ مسلم مثل الرئيس مرسي!
الفتوى، وفوران دم الرئيس محمد مرسي جاءا مترافقين مع قرار مجلس التعاون الخليجي بملاحقة كل من يثبت انتماؤه لحزب الله في دول الخليج، ناهيك عن قرارات عنصرية أُخرى، وكل هذا بالترافق مع إعلان الإدارة الأمريكية عن استخدام (السلطات) السورية للسلاح الكيماوي (على نطاق ضيّق)، وهو ما نفته روسيا، واعتبرته تغطية لإعلان إدارة أوباما تسليح (المعارضة) المسلحة، التي ليس سرا أن الثقل الرئيس فيها يعود لجبهة النصرة التي أعلنتها أمريكا منظمة إرهابية، وهو ما دعا الرئيس الروسي لاتهامها بأنها ضد هذه الجبهة في (مالي)، ومعها في سورية!
مؤتمر قمة عربي..وفي القاهرة، وبناء على دعوة من الرئيس مرسي! هذا يذكرنا بمؤتمر القمة العربي الذي دعا له الرئيس المخلوع حسني مبارك في القاهرة، وعلى عجل تمت لفلفة موافقة القمة على تغطية الحرب الأمريكية علىالعراق، حتى إن العقيد القذافي فضح بيان القمة بأنه مكتوب باللغة الإنكليزية، ولم يترجم للعربية لفرط تسرع مبارك، واستعجال بوش له!
الرئيس الإخواني مرسي يزاود على المخلوع بالدعوة لعقد مؤتمر قمة، مع تغيير طفيف وهو أن البيان سيكون جاهزا باللغة العربية، ومتضمنا آيات بينات من القرآن الكريم..رغم أنها لا تحض على الجهاد ضد (النزام) في سورية!
كل الأزمات التي تعانيها مصر منذ قفز الإخوان على الحكم، وأداروا ظهرهم لكل القوى السياسية، واختطفوا الحراك الثوري قبل أن يحقق أهدافه، يريد مرسي والإخوان أن يلتفوا حولها، ويكسبوا بالصفقات، وإبداء حسن النوايا لأمريكا..كي تعينهم على تخطي إرادة شعب مصر الذي ضاق ذرعا بهم، وتنقذهم من مأزقهم الخانق.
يعرف الرئيس مرسي أن حركة (تمرد) قادمة، وأنها حراك شعبي همه استكمال ثورة شعب مصر، وإنقاذ البلد من الفوضى والتخبط برص الصفوف، واستعادة الوحدة الوطنية في الميادين، ولذا فهو يهرب معلنا (الجهاد) على سورية، وليس في سيناء المحتلة صهيونيا وأمريكيا وإرهابيا.
الإخوان ومرسي رئيسهم بنوا آمالاً عراضا على إسقاط النظام في سورية، والقفز على الحكم كما فعلوا في تونس، ومصر، وليبيا، و..بهذا يمتد حكمهم إلى تركيا، وهناك في إسطنبول يعاد زمن الخلافة، ومجد الدولة (الإسلامية)، وليس الدولة المدنية دولة كل مواطنيها!
لكن المشروع بدأ يفشل..في سورية تحديدا، وها هي نذر فشل من تآمروا على سورية تتبدّى في تركيا أردوغان الذي بلغت وقاحته حدودا لا سابق لها في التطاول والتآمر على سورية، طمعا بما تعد به أنظمة حكم الإخوان التي ستحضر إليه باختيارها مبايعة له خليفة على (الأمة الإسلامية)!.
مشكلة الرئيس مرسي والإخوان أنهم يتصرفون وكأن مصر باتت إقطاعية لهم، وأن شعبها سيخنع لهم لسنوات تمكنهم من تحويلها إلى (ولاية) من الولايات التي ستشكل دولة الخلافة، والتي ستكون بقيادتهم لسنوات لا حصر لها!
الرد بدأ فورا على خطاب مرسي، من رجال دين مصريين لهم وزن وقيمة، ومن قادة أحزاب وقوى سياسية ترفض تصدير الأزمة الداخلية المصرية إلى سورية، والمشاركة في التآمر على الشعب والجيش والدولة في سورية..ولعلّ رد الجيش المصري الحازم في رفض التدخل في أي شأن لدولة عربية، أو المشاركة في العدوان عليها، قد رفع بطاقة حمراء في وجه مرسي بعد خطابه في ستاد القاهرة!
جعجعة مرسي سترتد عليه، وعلى الإخوان، وشعب مصر سيضاعف من حدة مواجهته لهم، و..سورية لن تسقط لقمة سائغة للإخوان في مصر وسورية وقيادتهم العالمية الجاهلة، والمخطط الأمريكي النفطي العثماني على سورية سيبوء بالفشل.