موقف شيخ كركي مع جلالة الملك فيصل رحمهما الله


روى صديق لي أحترمه وأقدره وهو لواء متقاعد عن قصة حدثت مع والده رحمه الله، والذي تعرّفت عليه في أواخر حياته حيث توفي عن عمر 88 عاما قضى منها 24 عاما ضريرا, ورأيت صديقي اللواء المتقاعد يقبّل يديه وركبتيه وقدميه وكان يحضره عند أيّ حفل له ويكون في صدر المجلس وهو المتكلم الرئيسي بدل ابنه صاحب الشأن الكبير,  فروى لي عنه قائلا:
عندما كان الجيش السعودي في جنوب الأردن في منطقة الكرك تحديدا بعد حرب 1967, وفي أحد السنوات كان هناك ثلوج كبيرة وتقطّعت بسببه أواصل البلاد وانقطع التموين عن الجيش فما كان من شيخنا، والد اللواء المتقاعد، إلاّ أن طلب من كل نساء عشيرته أن يخبزن للجيش السعودي لأنه لا يوجد في زمانهم أفران مثل يومنا, وقام بذبح العديد من المواشي التي يملكها ولمدة ثلاثة أيام وقدّم كل ما يستطيع لهذا الجيش من مساعدة لإحساسه أنّهم ضيوفا على هذا البلد.
وبعد مدة سمع المرحوم جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله عن قصة شيخنا فأراد أن يكافئه عن صنيعه هذا فاستدعاه ضيفا عنده وعندما سأله جلالة الملك عن الأردن قال له الشيخ إنّنا في الأردن بخير وأمن واستقرار ولكن ما ينقصنا هو استعادة القدس يا جلالة الملك, وبعدها سأله عن الجيش السعودي في الأردن فقال له سؤال مقبول من أيّ إنسان آخر غيرك, فاستغرب الملك وسأله عن السبب فردّ عليه شيخنا قائلاً: لأنك أنت الرأس والجيش كالجسد فعندما يصلح الرأس يكون الجسد بخير ولهذا جيشك وكما تعلم بخير يا صاحب الجلالة.
أسعد هذا الجواب جلالة الملك المرحوم وقال للشيخ أنت الآن برتبة لواء في الجيش السعودي الذي أكرمته بصنيعك «رتبة فخرية», وكان شيخنا يتقاضى راتب لواء في الجيش السعودي إلى أن توفاه الله وبقيت زوجته تأخذ راتبا إلى يومنا هذا.
وما دفعني حقيقة للكتابة حول هذه القصة الجميلة أمور كثيرة ومنها عبر يمكنني اختصارها بالتالي:
- احترام وتقدير وإجلال الإنسان لوالديه يعطي انطباعا بأنّ صاحب هذا العمل إنسان عظيم في أخلاقه وتربيته وسلوكه.
- إنّ تصرف رجل واحد أعطى انطباعا لدولة بأكملها بأنّه ابن دولة جارة محترمة، فالكلام الجميل نتائجه على الدوام إيجابية.
- أنّ الكرم دائما نتائجه طيبة.
- الشيء الآخر أنّه ينبغي على الدوام على الشخص أن يكون سفيرا لبلده أمام نفسه أولا, وأمام الآخرين من خلال سلوكه وأخلاقه.
- أمّا العبرة الأخيرة في قصتنا فهي أنّ الإنسان الأردني بشكل خاص والعربي بشكل عام يتبنّى قضية فلسطين وقضية القدس والأقصى في عقله الباطن على الدوام ولم ولن يتخلّى عن ذلك أينما كان وفي أيّ وقت.
رحم الله شيخنا الضرير ورحم الله جلالة الملك فيصل ورحم الله كل شرفاء هذه الأمة.