حين يتحدث الملك!


تجاوز الملك عبدالله في يوم مؤتة، الوقوف عند المناسبة، وهي عزيزة عليه وعلى الأردنيين، ولم يهرب إلى الحادث التاريخي الجلل الذي جعل من معركة مؤتة محطة الفتح الأولى، واختار، أن يضع أصابعه على المرحلة التي يمر بها بلدنا: وتمرُّ بها المنطقة العربية.. وبخاصة سوريا الشقيقة.

فيما يخصنا، وفي حدود سيطرتنا الوطنية، اهتم الملك بتوضيح فهم الدولة لمرحلة التحوّل الديمقراطي، فالحوار، والاختلاف هو من طبيعة هذه المرحلة، لكنه وضع خطاً أحمر في مواجهة المناكفة، والعنف حتى حين نعتقد أن هناك افتقاداً للعدالة، وللفرص المتكافئة فهذه صعوبات حقيقية، ومعترف بها لكن الحل ليس بالمناكفة والعنف. فمشاكل الديمقراطية تحل بالمزيد من الديمقراطية!. وحذّر جلالته من أن حضارية سلوك الدولة الأمني، لا تعني أبداً إطلاق الفوضى في المؤسسات العامة، والشارع والجامعة. فالأردن ليس ضعيفاً، والدولة الأردنيّة صبورة ومتفهمة، لكن ذلك لا يجب أن ينبه مطلقي الفوضى لا أن يشجعهم فللديمقراطية أنياب، وقبضات قاسية. وعندنا تجارب حاسمة، رفع فيه الفوضويون السلاح، ونشروا الفوضى.. وكانت نهايتهم قاسية وحتمية. فكل شيء مسموح به: البذاءة، والعنترة الكلامية، ودسائس الخراب. لكن الوصول إلى عرقلة الحياة والتطور في البلد.. فليس مما تجامل به الدولة، ويقبل به النظام العام!!.

الملاحظة الداخلية العميقة والواضحة في حديث الملك عبدالله، كانت إيماءة نعتقد أن الجميع فهمها!!.
في ما حولنا، وهو ليس تحت سيطرتنا الوطنية فقد أثار جلالته الموضوع السوري، والموضوع الفلسطيني، فالوضع السوري كارثي، وأصبحت الدولة الشقيقة ميداناً للصراعات الإقليمية والدولية. ونحن في الأردن لن نتدخل لمصلحة أيّ جهة.. لكننا نحمل الهمّ السوري بأكثر من نصف مليون هارب بروحه وبأطفاله، وأكثر من نصف مليون آخر دخل الأردن، كما يدخل الأشقاء عادة، وأسس لنفسه ولعائلته مصدر رزقه، وما هو أكثر من ذلك. ففهمنا للانتماء القومي, لا يقوم على الإساءة لأي شعب عربي باسم العروبة, أو باسم المقاومة, أو باسم الممانعة. ولا يتأتى بمصادرة حرياته وقراره الوطني. والأردن كما يقول الملك الشاب: يعمل مع الولايات المتحدة ومع روسيا ومع أوروبا على حل سياسي لازمة سوريا, رغم أن المؤشرات لا تشجع فليس أمامنا نحن محبو سوريا أمام المجتمع الدولي خيار آخر. إلا إذا كان الخيار هو استمرار التقاتل الدموي, واستحضار المزيد من اللبنانيين والعراقيين والعرب, لقتال اخوانهم العرب وسفك دمهم.

ورفض جلالة الملك في المحطة الأخيرة الكلام عن الفيدرالية, والخيار الأردني, والوطن البديل فدورنا هو دعم الشعب الفلسطيني لايصاله إلى الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. فإذا رأت بعد ذلك, قيادات الشعبين وجماهيرهما خلق الكونفدرالية فذلك مرهون بموافقة الأطراف جميعاً. وهذا كلام لا يريد الملك العودة إليه.

.. مناسبة تخريج شباب القوات المسلحة من الجامعة العريقة التي تضم طلاباً مدنيين وعسكريين من أقطار عربية شقيقة, هي مناسبة عزيزة على الملك عبدالله وعلى الشعب الأردني. وستبقى مؤتة: الجامعة والمسرح التاريخي العظيم ملهماً للشباب وحلماً يستحق أن نغمض عليه العيون.