فقر القادة وصناعة النخبة
كثيرا ما يدور حديث بين العامة والنخب حول الأسماء والشخصيات التي يمكن لها أن تتولى العمل العام وفق رؤية وطنية تسهم بحل المشكلات، وتسير بالأردن بخطى ثابتة نحو الإصلاح والتغيير المنشودين.
ما يخلص إليه النقاش ليس سوى استعادة قائمة أسماء مستهلكة ومكرورة.
ويصطدم هذا الجدل عادة بإخفاق أطرافه بوضع قائمة بأسماء الشخصيات التي تمتلك الإمكانات والصفات التي تؤهلها للقيام بهذه المهمة، وكأن البلد خاوية وتفتقر لما يتطلع إليه الناس.
هذه النتيجة صحيحة نسبيا بعد أن عطلنا المؤسسات التي كانت بالعادة تصدر الكفاءات والرجالات لقيادة الشأن العام، وتركنا المهمة لمجموعة من التكنوقراط الذين لا يملكون الوعي السياسي والخبرة الكافية لحمل المسؤولية، الأمر الذي يقودهم إلى نتيجة واحدة هي الفشل في إتمام المهام الموكولة لهم.
والسؤال المهم، ما الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة من فقر الخبرات والكفاءات، وكيف السبيل إلى إعادة إنتاج القيادات والشخصيات القادرة على وضع رؤية تساعد في الخروج من النفق المعتم الذي لا نرى له نهاية؟.
ورغم تلقائية السؤال، إلا أن الإجابة عنه بحاجة إلى دراسة معمقة، تبحث في الأسباب التي قادت إلى هذه النتيجة، وأضعفت فرص وجود سياسيين واقتصاديين يملكون من الخبرة والفكر ما ينهي حالة التخبط في إدارة شأننا العام.
وساهم بتضخم هذه الظاهرة أنانية البعض ممن رأوا أن إنتاج الكفاءات يقتل فرصهم بالتقدم، وضاعف صعوبة الحال عجز النظام التعليمي بشقيه المدرسي والجامعي منذ عقود طويلة عن تخريج أفواج مثقفة وواعية، الأمر الذي أضعف هيبة وقيمة الموقع العام.
كما أن المؤسسات التي عودتنا على تخريج الكفاءات وضعت اليوم على الرف بإراداتها أو رغما عنها، ومثال ذلك تراجع دور البنك المركزي في تخريج الخبرات الوطنية الاقتصادية رغم أن عصرا ذهبيا مر على المركزي وكان يصدر الكفاءات المختلفة لمتابعة الشأن الاقتصادي للعديد من الوزارات والمؤسسات.
بعد سنوات من اختلال معايير اختيار المسؤولين عن إدارة الشأن العام، وضعف ماكينة إنتاج القيادات نجد أنفسنا أمام نوع جديد من الفقر؛ هو فقر صناع القرار، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلات يوما بعد يوم في ظل عجز رسمي عن وضع رؤية وطنية تحتكم للصالح العام وتطلعات الناس، بعيدا عن الأجندات الشخصية والمصالح والمنافع الذاتية.
أما فرز القيادات السياسية فمبرر ضعفها يكمن في غياب الأحزاب وهشاشتها، بشقيها المعارضة والموالية، وتضييق الحريات، وحدوث انفراج في هذه المسألة وتقليص مشكلة فقر الكفاءات يتطلب انفراجا كبيرا في الحياة الحزبية والحريات.
إضعاف دور القطاع العام وإفراغه من مضمونه منذ البدء بعملية الخصخصة ساهم بشكل كبير في تعطل آلة خلق الكفاءات.
بالمحصلة أدى تزامن اكثر من عامل في آن واحد، في إفقار الحياة السياسة من أسماء ذات عيار ثقيل تحظى بإجماع حتى لو اختلف المرء معها.
إنتاج أسماء جديدة تقود العمل وتتحمل المسؤولية، بحاجة إلى إعادة ترتيب الحياة السياسة وحدوث انفراج حقيقي لن يتحقق من دون قانون انتخاب عصري يفرز مجلس نواب يحقق تطلعات الشارع وآماله.
المرحلة حرجة وبحاجة إلى قادة ورجال وساسة من طراز أيام زمان، فهل ذلك ممكن؟