العمل العام



لربما أصبحت التغيرات المفاجئة والطفرات في كل شيء سمة هذا العصر, حتى ان ذلك انسحب على السلوك الإنساني للبعض ، علماً أن علماء النفس يقولون ان السلوك الانساني يتميز بالثبات النسبي , بحيث أنك تحكم على شخص من خلال معرفتك به بأنه شخص متزن , صادق , كريم ,ً متدين , وان اتجاهاته الفكريه والسياسيه الظاهرة كذا وكذا , وآخر تحكم عليه انه متحرر, متقلب لايركن الى رأي ثابت , تحكمه أهواءه في الحكم على الأمور . 

هذا على مستوى علاقات الأفراد وحكمهم على بعضهم البعض , فكيف إذا تطلب الحكم على أصحاب فكر أو رجالات سياسة أو احزاب اونقابات , فهذا يتطلب المزيد من التدقيق والتمحيص , كون المرجعيات عن هؤلاء محكومة بقنوات محدوده وضيقة , ويتطلب تقييمهم والحكم عليهم مصادر موثوقه وحياديه . 

ولكن في هذه الأيام أصبحت قراءة الشخوص والحكم على اتجاهاتهم وأفكارهم قراءة مضللة، فالغالبية تحكم على الظاهر , وما يتناقله الناس عن هذه الشخصيات العامه , فلو سألت عن أحد الرموز الحزبية أو السياسية، او النقابيه , لقيل لك مثلاً إن هذا الرجل فكره كذا وحزبه كذا وتوجهاته كذا . 
 
وفجأة تجده انقلب على حزبه وأفكاره ومبادئه التي طالما ناضل لأجلها , والتي يعلم بها القاصي والداني، وأصبح مخالفاً ومعادياً لما كان عليه ، وعندما تتقصى الأسباب تجد أن هذا الرجل وبكل وضوح هلامي ليس لديه ثوابت , يقفز من حزب إلى حزب أو من فكر إلى فكر بحسب ما يتحقق لديه من منافع ومصالح شخصية . 

وهذا للأسف اصبح معروفاً عن بعض الشخوص الحزبية والسياسية والفكرية ، فإذا كانت سلوكيات وممارسات هذه الرموز بهذا الشكل فكيف نلوم العامة من الناس اذا تغيرت مواقفهم وانتماءاتهم ، وكيف يمكن أن يكون لدى المواطن اقتناع بالأحزاب او النقابات او الأفكار طالما إن هذا يحصل من بعض من يعتبرون انفسهم رموزاً , ويريدون أن يقتنع الناس بأفكارهم وطروحاتهم وينظموا لمثل هذه الأحزاب , او النقابات التي انكشفت حقيقة بعض من كانوا يعتبرون رموزاً فيها . 
 
فمن يريد ان يتطوع للعمل العام بكافة اشكاله , يجب ان يكون صادقاً مع نفسه اولاً ومع من منحوه ثقتهم , وان يغِلب الصالح العام على مصالحه الذاتيه , وان يكون صاحب مبدأ راسخ , وفكر بين واضح , بحيث يكون انموذجاً يقتدي به العامه ويكون مصدر الهامهم واحترامهم , يحمل همومهم و يدافع عن قضاياهم بكل اخلاص . وهذا كله سيولد في نهاية المطاف اتجاهات ايجابية لدى عامة الناس نحو العمل الحزبي والنقابي . الذي يأطر مسيرتنا الديقراطية ويحقق اهدافها .