صورة الأردنيين على الفضائيات العربية: خراف تتزاحم للظهور بـ 'العربية' وأغنام بائسة على 'الجزيرة'

 

أخبار البلد- لا أعرف ما الذي يغري زملاءنا من كبار مراسلي الفضائيات في عمان بالتركيز على (قفلة) بعض تقاريرهم بكاميرا مسلطة على الأغنام حصريا؟

فعلها كبير مراسلي العربية الزميل سعد السيلاوي قبل نحو عامين، عندما ختم تقريره التلفزيوني بوقفته الشهيرة وسط حظيرة أغنام .. يومها تسلطت الكاميرا في مشهدها الأخير على السيلاوي، الذي كانت الأغنام تلعب بين رجليه حتى ودع الزميل المشاهدين بابتسامة ترقى إلى مستوى الضحكة، وكاد يتعثر لان الأغنام كانت في ما يبدو تتزاحم للظهور على شاشة العربية مما اخل بتوازن المراسل الواقف بينها.

قبل أيام قرر كبير مراسلي الجزيرة ياسر أبو هلاله قفلة مماثلة وطريفة .. بدأ التقرير بهتاف أحزاب المعارضة الذي يقول أمام البرلمان (نواب الأردن أموات).. بعد قليل ظهر الشيخ علي أبو السكر يشتم الحكومة كالمعتاد، ثم مشهد ينسل فيه أبو هلالة من بين الحشود مستعرضا أمام الكاميرا، وأخيرا الخاتمة التي كانت موسمية تماما: مجموعة أغنام تحاول البحث عما تأكله على جبل ما في مكان ما ثم مواطن مليء بالبؤس يرعى هذه الأغنام يتحدث عن غلاء الأسعار.

.. بعدما تحدث الراعي لكاميرا الجزيرة قفل المشهد التلفزيوني تماما على عنز رضيعة تلهو حول أمها وسط عائلة من الأغنام التي يظهر عليها البؤس أيضا.

المشهد أثار حيرتي فعلا .. لماذا تصر المحطات العربية على الأغنام حصريا عندما يتعلق الأمر ببلادي ..هل المقصود التحدث عن الفقر والتراجع الاقتصادي؟.. بسيطة يمكن ان تذهب الكاميرا لتصوير غابة الرجال الذين تبدو عليهم العافية في سوق عمان المالي، أو تلك العقارات الشاهقة والقصور الإمبراطورية في ضاحية دابوق الراقية في عمان، بدلا من الأغنام البائسة على الطريق الصحراوي.

بالتأكيد ثمة بدائل أكثر قسوة لمظاهر التراجع الاقتصادي تتجاوز مشهد الماعز، مع الاحترام طبعا لمربي الأغنام وتجارها، الذين يغلقون الطريق الدولي باتجاه المطار كلما خفضت الحكومة من دعمها للأعلاف.

لو كانت الأيام كسابقاتها لقلنا بان الثروة الحيوانية هي أساس الاقتصاد الأردني، لكن الشعب الأردني الفقير، الذي يعاني من البطالة يلتهم يوميا ثمانية الاف خروف، وفقا لإحصائيات إدارة المسالخ، والسوق مليئة بأغنام من تركيا والإمارات والصين والهند والبرازيل وماليزيا والسودان ونيوزيلندا، ويقال ان 'حوتا' أردنيا واحدا يزود 25 دولة باللحوم.

فوق ذلك كل مشكلة أو مؤامرة او مناسبة او حتى صفقة تنجز في الأردن، حول طبق المنسف الشهير المزين بكميات هائلة من اللحوم.

أحد المرشحين للانتخابات الأخيرة أصبح نائبا في البرلمان اشترى ثلاجة ضخمة جدا وأودع فيها ثلاثة أطنان من اللحوم قبل يوم الاقتراع .. عندما سئل الرجل قال انه خشي حصول نقص في الأسواق عند الإعلان عن نجاحه.. الغريب بالنسبة لي كيف علم الرجل أنه سينجح وأنه سيحتاج فعلا لأطنان من لحوم المناسف؟

وشعبنا شغوف جدا باللحوم شئنا أم أبينا، وهذا الشغف دفع مذيعا منافقا وعلى الهواء مباشرة في إذاعة رسمية لشتم المسيرات الشعبية عبر التذكير بان كيلو اللحم الواحد في مدينة إربد بثلاثة دنانير.. هذه الكذبة هدفها الرد على مسيرات الخبز، وقد تورطت شخصيا باللحم الرخيص على طريق عمان - إربد الدولي، بعد ان ألقت سيدة البيت الطبخة بوجهي أولا ثم بالقمامة، حيث أعتقد ان ما اشتريته كان حيوانا ما لا علاقة له بالأغنام.

نعود للمراسلين الأكثر نفوذا في عمان، لماذا يختارون الأغنام لختام تقاريرهم الفضائية، رغم امتلاء الواقع بعشرات المؤشرات على التراجع الاقتصادي؟

 

ما المشكلة بالدجاج؟

 

.. سؤال بريء أين الدجاج مثلا؟.. الدجاج خيار الفقراء والسيلاوي وأبو هلاله يعرفان أن غالبية الشعب الأردني من آكلي الدجاج ومهنة تربية الدجاج أصبحت محفوفة أيضا بالمخاطر الاقتصادية فلماذا لا نرى أبو هلاله وسط عائلة من الدجاجات البائسة التي تتغذى على القمامة قبل بيعها للمواطنين؟

أحد أقربائي يقسم بأن زوجته تنتف الدجاجة ثم تغليها ثم تسحب عظامها ولاحقا تسحقها وتفتتها وتقسمها لست طبخات على مدار الأسبوع، والزميل الصحافي المخضرم محمد فرحان يقسم لنا معشر الصحافيين دوما بانه يلتقي بنساء في القرى والمخيمات ينتظرن نهاية يوم الدوام في بقالة بيع الدجاج للحصول على أرجل الدجاج.. ألا تستحق دجاجات الأردنيين ولو قفلة واحدة من اخواننا مراسلي الفضائيات؟

يمكنني الآن تهديد الزميلين سيلاوي وأبو هلاله بأني ـ إذا لم يتوقفا عن خططهما الغنمية - سأحرض قنوات الفضاء الكونية مثل سي.إن .إن على التركيز على الدجاج نكاية بأغنامهما التي تظهر دوما على الجزيرة والعربية.

يا أخوان بلادي الآن فيها ناطحات سحاب وأبراج وشبابها من شتى الأصول والمنابت يجلسون في صدارة قراء ومستخدمي الإنترنت في العالم العربي، وأطباؤها من أبناء العشائر والعائلات المسحوقة، هم نخبة من أشهر الجراحين في العالم، وأطفالها لا يبلغون السادسة إلا ويجيدون التعامل مع (الكيبورد) وبعض مدارسها الخاصة تكلفتها أكثر من جامعات أمريكا.

بلادي اليوم يضيء أبناء العشائر فيها الشموع في مسيراتهم الاحتجاجية، ويشاركون في التصويت بكثافة لنجوم ستار أكاديمي، ويتعلمون في أرقى معاهد العالم، ومؤسسات الإعلام العربية الأهم يقودها شبان أردنيون، فهل من المعقول ان تلتقط الفضائيات المتنافسة في ما بينها الأغنام حصريا كمشهد يؤشر على التراجع الاقتصادي؟

الأمر يذكرني بما حصل مرة على هامش القمة العربية التي عقدت قبل سنوات في تونس.. يومها اقترحت على وزير الخارجية آنذاك مروان المعشر ان يحاول تبديد شعور الإعلاميين الأردنيين على هامش القمة العربية باليتم والغربة، فكل الوفود تسرب الأخبار للصحافيين في بلادها باستثناء الدبلوماسية الأردنية.

اقتنع الرجل بالفكرة وقرر تنظيم لقاء خاص مع الصحافيين الأردنيين في منزل السفير الأردني في تونس.. قبل ساعات من الموعد المقرر قرر السفير الفصيح تنشيط فريقه فجأة، فجاءني زميل لبناني بملصق دعائي وصله من السفارة الأردنية في تونس وتم توزيعه على الإعلاميين.

الورقة الدعائية كانت تتضمن معلومات عن الأردن من طراز المساحة وعدد السكان واهم الواردات والصادرات.. المفاجأة كانت بالعبارة التالية: أهم صادرات الأردن صوف الأغنام.

.. بعد التدقيق تبين ان عدد سكان المملكة وفقا لمنشور السفير الفصيح أقل بنسبة 40 ' على الأقل من عدد السكان الفعلي، وبعد الحفر أكثر تبين ان المنشور اعتمد على بيانات ومعلومات صدرت عام 1971 رغم أننا كنا في عام 2003 .. من الواضح ان السفارة كانت نائمة فصوف الأغنام اليوم يلقيه الأردنيون بالقمامة.