سلطة المصادر الطبيعية والقرارات المتسرعة


كان قرار مجلس النواب بإلغاء الصفة المستقلة لسلطة المصادر الطبيعية وإلحاقها بوزارة الطاقة والثروة المعدنية قراراً متسرعاً، وقائماً على الجانب الشكلي وليس الموضوعي.

فسلطة المصادر الطبيعية مؤسسة وطنية مستقرة، تم إنشاؤها بقانون منذ عام 1960، وأنجزت خلال هذه الفترة الكثير من الأعمال: ابتداء من بناء قواعد المعلومات ورسم الخرائط الجيولوجية التفصيلية، ومروراً بالمسوحات الجيولوجية في جميع أنحاء المملكة، وانتهاء بالاستكشافات والتنقيب الأولي عن الكثير من الخامات والمركبات المتنوعة بما فيها النفط والغاز.

ولم تكن سلطة المصادر أبدا من المؤسسات المفتعلة التي نشأت خلال فترة التوسع المتعجلة في التسعينات من القرن الماضي، وإنما كان لها دورها التاريخي البالغ الأهمية، ولا زال لها دورها المستقبلي الأكثر حيوية. فالأردن حتى الآن لم يستغل من ثرواته الطبيعية سوى الجزء اليسير، بالإضافة إلى الفوسفات والبوتاس. و في كل بلد في العالم تقريبا، هناك دائرة مناظرة لسلطة المصادر الطبيعية تحت مسميات مختلفة.

وتحويل السلطة إلى دائرة في الوزارة، سوف يضاءل من حجمها وأهميتها، ويجعلها اسيرة البيروقراطية التي تعاني منها مختلف الوزارات، مما سيؤدي إلى إضعاف دورها الريادي، و تهميش مسؤولياتها. إذ ستتحول إلى مجرد دائرة من عدة دوائر في وزارة الطاقة والثروة المعدنية. والحقيقة أن الربط الإداري بين الطاقة وبين الثروة المعدنية، أو بشكل أوسع المصادر الطبيعية، لم يكن له ما يبرره في البداية عندما أنشئت وزارة الطاقة والثروة المعدنية عام 1985. فالثروة المعدنية، والمصادر الطبيعية بتفاصيلها المختلفة، وطبيعة عملها وتأثرها بتغييرات العمران والتوسع والتغيرات المناخية والبنية التحتية الوطنية والسوق، تختلف كلية عن الطاقة. وفي معظم دول العالم نلاحظ إن الشركات أو المؤسسات أو الوزارات المعنية بالطاقة لا تتدخل بالثروة المعدنية أو المصادر الطبيعة، وانما تتعامل مع المنتجات النهائية للثروة المعدنية. بل إن تكرير البترول للحصول على الغاز أو الديزل أو زيت الوقود جميعها أعمال بعيدة عن توليد الطاقة ونقلها وتخزينها وتوزيعها، ولذا تكون تحت مظلة منفصلة.

هل سيقلص هذا الدمج من النفقات الحكومية ؟ بالتأكيد لا. فالسلطة ليست مجرد مكاتب وموظفين، وإنما خبراء و علماء و مهندسون ومختبرات وآليات ومعدات وأجهزة، وكل ما يلزم العمليات الاستكشافية وما يسبقها من دراسات واستعدادات وما يستتبعها من أعمال و تعاقدات .

كان الأمل أن يذهب مجلس النواب باتجاه دعم سلطة المصادر الطبيعة، والضغط باتجاه زيادة إنتاجيتها، ورفع كفاءتها لتكون أفضل. وكان المأمول أن يطلب المجلس بأن تكون السلطة هي المرجع النهائي للدولة فيما يتعلق بثرواتها الطبيعية. وهذا يستلزم أن توسع السلطة من أعمالها، وتعمق من دراساتها، حتى تكون الدولة على ثقة بما لديها من ثروات طبيعية، سواء كانت على شكل معادن أو خامات ومركبات غير معدنية . أن ترتبط السلطة بوزارة من خلال الوزير شيء، وأن تصبح دائرة في وزارة شيء أخر. ان سلطة المصادر الطبيعية لها مجلس أدارة يرأسه وزير الطاقة والثروة المعدنية، وهذا بحد ذاته كاف. أما أن تلغى استقلالية السلطة وتلحق بالوزارة فهذا أمر غريب ولا يحقق أية فائدة أو مصلحة وطنية.

ستكون التقارير التي تصدر عن "دائرة المصادر الطبيعية” مرسومة في الإطار الذي قد يمليه عليها الوزير أو كبار المسئولين في الوزارة، وستفقد استقلاليتها ورؤيتها لبرنامج عملها. ويكفي أن نلاحظ الارتباك الوطني والمؤسسي القائم حاليا في مسألة اليورانيوم.. فهيئة الطاقة الذرية وهي ليست مختصة باليورانيوم أو التعدين، تصدر ما تشاء من تصريحات حول الخامات ونسب تركيزها، وليس هناك من مرجعية وطنية موثوقة تؤكد أو تنفي ذلك.

كان الأمل إن يكون ترشيق مؤسسات الدولة من خلال دمج المؤسسات المتشابهة في المهام وغير الفاعلة . أما أن يأتي الترشيق والترشيد على حساب المؤسسات الأكثر أهمية، والأكثر حاجة إلى الدعم والتطوير لحيوية دورها في الاقتصاد الوطني فهذه مسألة غاية في الغرابة. و يستغرب المرء كيف تقدمت الحكومة بهذا المشروع ولا كيف وافق مجلس النواب على ذلك.

إن الكرة ألان في ملعب مجلس الأعيان، الذي عليه أن يأخذ الأمور بالروية والتفكير، وان يرد القرار إلى مجلس النواب لإعادة النظر فيه. فسلطة المصادر الطبيعية مؤسسة ينبغي أن تستمر مستقلة، و أن يتم دعمها بكل الوسائل، وفي نفس الوقت مساءلتها عن ما تحقق من انجاز.