العشائر والمخيمات


مطلوب برنامج سياسي واضح ببنوده وآلياته بعيدًا عن اجترار الشَّتْم والإساءة لمؤسسات
 الدولة

من حق كل أردني أن يعبر عن موقفه السياسي والاجتماعي وأن يخرج كفرد للشارع للتعبير سلميًا عن مصالحه، ويدافع عنها ، لكن؛ ليس من حق أي شخص أن يَجُرّ آخر أو يُورِّط عصبته العشائرية في مواقف سياسية تخصُّه هو ، فهل حقًا تخرج العشيرة في مسيرة للتعبير عن مواقفها ؟ هل العشيرة حزب سياسي لها مواقف وأطر تُمكِّنها مِن أن تخرج للتعبير عنها عشوائيا في الشوارع ؟ من يستطيع أن يُخرج عشيرة مكونة من عدة /أو مئات من الآلاف إلى الشوارع ؟ هل يحق لحزب سياسي أن يُقحم العشائر في الصراع مع الدولة من أجل الاختباء أو تحسين موقفه لإحراج الطّرف الآخر وإضعافه ؟ هل يحق لأحد أن يُقحم المخيّم برمزيته المعروفة؟
قُلنا أكثر مٍن مَرَّة إن جماعة الإخوان المسلمين وبعد مسيرة 24 آذار على دوّار الداخلية، وعندما شعرت بأن عمّان لا تُعطيها زخمًا في الشارع في إطار صراعها ومواجهاتها الأسبوعية مع الدولة، خرجت إلى المحافظات والمخيّمات والعشائر تبحث عن حُلفاء، فكان ما كان، في المفرق وسلحوب وإربد.. وغيرها.
لم يعد لدى قيادة "الجماعة" شيء تُخفيه، فهي وحدها في الشارع اليوم، بعد انفضاض الأحزاب والقوى السياسية والشعبية من حولها، والجمهور الأردني استنكف عن تلبية دعواتها بعد أن مَلّ منها ، وهذا دليل على وجود مشكلة كبيرة داخل الجماعة، مشكلة بنيوية وصراع هُوية داخل الحركة، فالإخوان لم يعودوا يُشبهون أنفسهم بعد أن أخذتهم الأحداث المتسارعة إلى أماكن غير آمنة.
يوم الجمعة عاد "الإخوان" إلى لعبة الشد في الشارع عبر "ائتلاف العشائر الأردنية" وهو ما يَطرح إشكالية التمثيل، فقد رأينا بيانات تتنصل من ذلك الائتلاف ، فهل هو إطار حقيقي أم يمثل المنتسبين إليه واللذين لا يُعرف عددهم؟ لِمَ يَلجأ "الإخوان" إلى العشائر؟ هل هذا هو فكرهم، أم هو تكتيك من أجل التحرش بالدولة وإغاظتها؟
الهتافات في ساحة المسجد كانت عالية الوتيرة ، مَنْ يَتحمَّلها؟ هل تمثل الإخوان ؟ هل من جديد ؟ هل هناك برنامج سياسي واضح ببنوده و آلياته، أم أن هناك اجترارًا لعمليات الشتم والإساءة لمؤسسات الدولة؟
نُريد إجابات واضحة ، هل النظام في الأردن هو دار حرب ؟ هل الدولة الدينية مشروع مطروح ؟ هل تلبي الدولة الدينية طموح الجماهير اليوم ؟ إن الدكتاتورية سيئة وغير مقبولة ولا تتناسب مع روح العصر إن كانت تلك الدكتاتورية بذقن أم حليقة.
القيادات الإخوانية غابت عن مسيرة الجمعة، فالخطاب مُرتبك يُظهرضعف الأداء ويزيد من مخاوف الأردنيين، رغم كل الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة، فإن ذلك لا يبرر الغمز من قناة الثورة والتهديد بقلب النظام، فالحيلة لن تنطلي على الأردنيين، ولن يقبلوا بتسويق الديمقراطية المغلفة بالعنف والتسلط، فالنظام مهما كان سيئا فإنه أفضل من اللانظام والفوضى، والتجارب حولنا كثيرة وساطعة، ومن غير الحصافة استبدال تسلط حكومة بتسلط حزب أو فكرة.
القضية في الأردن واضحة، وبوصلتنا محددة الاتجاه، فمطالب الأردنيين تنحصر في إنهاء الفساد وإجراء الإصلاح الحقيقي الذي ينشلهم من الإقصاء والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويسير بنا نحو دولة ديمقراطية حقيقية يعرف كل طرف دوره ويحفظ حقوق الآخرين ولا يتسلط عليهم ويصادر أدوارهم.
وعلى "الإخوان" في الأردن أن يتعظوا من تجربة "إخوانهم" في العواصم العربية، فبعد انتقالهم من المعارضة إلى الحكم أصبحوا هم السلطة الحاكمة وأصبحوا جزءا من جهازها البيروقراطي، لذا اصطدموا سريعا بالجماهير التوّاقة للحرية والعدالة والخبز وها هي الموجهات في الشوارع تطالب بإسقاطهم، فالمشروع الإخواني وعلاقته بالدولة يمر بامتحان صعب.

نبيل غيشان