ماذا يعني قطع العلاقات بين مصر وسوريا ؟


بقلم غالب راشد
وأخيراً اتّخذ الرئيس المصري مرسي قراراً الليلة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا ، تنديدا بما ترتكبه قوات النظام من جرائم بحق الشعب السوري – حسب زعمه – ووقوفاً إلى جانب الثورة السورية السلمية برأيه ، مطلبا في الوقت نفسه بعقد مؤتمر قمة عربي طارئ لبحث اللازمة السورية وتنديداً بتدخل حزب الله السافر في سوريا .
والحقيقة أن المتأمل في السياسة المصرية الخارجية لم يتفاجأ بهذا القرار ، فحكومة مصر من اليوم الأول لإحداث سوريا أعلنت موقفها صراحة إلى جانب الثورة والشعب ولا أدلّ على ذلك من كلمة مرسي التي ألقاها في مؤتمر القمة الإسلامي الذي انعقد في طهران العام الماضي ، كما أن التمثيل الدبلوماسي المصري في دمشق لا يرقى الى مستوى السفير أسوة بدول الربيع العربي ودول الخليج .
إن مصر العربية عوّدتنا دائماً بقراراتها الشجاعة على مدى التاريخ الحديث ، فمنذ حرب تحرير فلسطين عام 1948 كان المصريون أول الموقعين على الهدنة مع إسرائيل كذلك الحال في عام 67 . أما حرب تشرين أو مايسميه المصريون حرب العبور وتدمير خط بارليف سنة 1973 فالحقيقة التي لا يجادل فيها مطّلع على التاريخ أن الذي حوّل النصر إلى هزيمة هو القيادة المصرية برئاسة السادات فأعلنوا وقف اطلاق النار دون علم الطرف الآخر المشارك الى جانبهم في المعركة وأعني سوريا مما مكّن اسرائيل أن ترسل كل قواتها الى الجبهة الشمالية . والأهم أن ما جنته مصر من هذه الحرب الذهاب الى كامب ديفد وتوقيع معاهدة السلام المشهورة والتي أعادت للمصريين سيناء أرضا منزوعة السلاح خالية من القوات المسلحة .
وفي عام 1990 حين دخلت القوات العراقية الكويت أخذت مصر على عاتقها أن تستمر في دورها الريادي للعالم العربي فأعلن الرئيس المصري المخلوع مبارك أنّ من لا يخاف من أمريكا لا يخاف الله – سبحان الله – فعُقِد مؤتمر القاهرة الذي أعطى أمريكا وحلفاءها غطاء عربيا بتدمير العراق وإرجاعه إلى عصر ما قبل الصناعة حسب ما صرّح الرئيس جورج بوش الأب آنذاك ، والكل يتذكر موقف الأردن من هذه القمة المهزلة ، قمة استرجاع الاستعمار كما وصفها الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد .
وحينما اشتدّت المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني في غزة والضفة الغربية تنادت مصر وعقدت قمة ( شرم الشيخ ) التي دانت أعمال المقاومة ووصفتها بالارهاب متباكية على الضحايا الاسرائيليين ، أما موقفها من حصار غزة وحرب غزة فواضح للعيان ؛ لذلك ما قام به الرئيس مرسي هذه الليلة ليس بمستغرب ، ولكن الغريب أن يأتي هذا القرار في توقيت علت فيه الأصوات المتباكية على هزيمة المسلحين في سوريا وكثرت فيه فتاوى الجهاد المقدّس من كل شيخ يدّعي الاسلام .
يأتي هذا القرار متزامنا مع إعلان الإدارة الأمريكية صراحة الموافقة على تسليح المعارضة السورية حتى لا تنهار فلا يبقى مبرراً لمؤتمر جنيف 2 ومتزامنا مع إعلان الأردن عن نشر صواريخ الباتريوت وطائرات إف 16 ، ونشر جنود المارينز على حدوده الشمالية كما ذكرت صحيفة التايمز . ومتزامنا أيظا مع الحرب الإعلامية الكاسحة ضد حزب الله لجعل الحرب في سوريا ذات طابع طائفي مذهبي .
يأتي قرار الرئيس مرسي ليعطي غطاء لحرب وتدخل غربي في سوريا لإسقاط النظام بأيدٍ عربية ومباركة من جامعة التدمير العربية كما فعلت سابقا بحق العراق وليبيا .
إن مصر قد فقدت ثقلها العربي والإقليمي وارتهنت للإدارة الامريكية والمشيخة القطرية فيكفيها أن تتفيّأ بظلال العزيز المبجل شيمون بيرس والسلطان العثماني اردوغان .ان الرئيس الذي يتباكى على الشعب السوري ويستوصي المصريين به خيرا أولى له وأحرى أن يبكي على الشعب المصري الذي سيحرم من 80% من مياه نهر النيل بسبب سد النهضة الذي تنوي اثيوبيا بنائه على نهر النيل الأزرق . أولى بالرئيس المصري أن يرفع الصوت مهددا ومتوعدا اثيوبيا لا سوريا أم تراه سيستمطر السماء على المصريين بالدعاء