بعد ظهور المسدسات وموجات الشتائم وإستعمال ‘الدستور’ في المشاجرات: تساؤلات : أيهما يسقط اولا.. البرلمان أم الحكومة؟
أخبار البلد
تجتاح أوصال النخبة الأردنية حالة ‘ندم’ نادرة على رفع عدد مقاعد مجلس النواب إلى 150 نائبا بدلا من 120 في الموسم الإنتخابي الأخير بعدما أخفقت تماما تجربة التكتل وأصبحت مؤسسات القرار مضطرة للتعامل مع 150 عضوا في مجلس برلماني غير منضبط وإتجاهاته على الأرجح فردية وخالية من التسييس والتنظيم.
رئيس مجلس النواب نفسه سعد هايل السرور قال للعاهل الملك عبد الله الثاني شخصيا في إحد اللقاءات بأن علي الجميع التعامل مع 150 حزبا دفعة واحدة في البرلمان الحالي.
تقييمات السرور وهو من أركان البرلمان المخضرمين منذ عام 1989 ظهر أنها في مكانها تماما فلا يوجد جبهات منظمة ومتكتلة في البرلمان حتى يتم التفاهم معها وهو ما ألمح إليه رئيس الوزراء عبد الله النسور عندما إلتقته ‘القدس العربي’.
بالمقابل يطمح العشرات من النواب بالمناصب الوزارية، الأمر الذي دفع صاحب القرار المرجعي لتأجيل تشكيل مجلس الأعيان ولإلغاء خطة كان يخطط لها النسور بعنوان توزير النواب.
أحد النواب وخلال مشاورات تشكيل الحكومة قال للنسور بأن الحل الوحيد لمعضلة التجارة والصناعة هو تعيينه وزيرا لهذا القطاع فيما إعتبر آخر نفسه الأجدر بتسلم حقيبة الطاقة كما صاح يوما أحد البرلمانيين قائلا: إذا لم تعينوني وزيرا للأوقاف ستخسرون الكثير.
هذه الموجة من الإستيزار خلطت أوراق اللعبة البرلمانية في جانبها السياسي فمنعت النسور من إكمال مشروعه في توزير 12 نائبا للحصول على مساحة شرعية مستقلة في القرار السياسي والحفاظ على ثقة البرلمان بحكومته وأدت لإنفراط عدة كتل وإنقسامها على نفسها عدة مرات حتى أن إحدى الكتل تقلصت من 12 نائبا إلى إثنين فقط بغضون أسبوعين.
يؤكد البرلماني محمد حجوج بأن تجربة الكتل لا زالت هلامية ويسجل النائب المسيس مصطفى حمارنه بأن الوضع صعب لكنه يطالب بمنح البرلمان الجديد فرصة تلمس طريقه حتى تنضج التجربة.
بالتوازي ظهرت إنفلاتات غير مألوفة تطلبت الإصرارعلى وجود نظام عقوبات سلوكي داخل قبة البرلمان فقد ظهرت المسدسات وضرب النواب بعضهم أحيانا وشتموا وزراء علنا وإستخدم أحدهم الأحذية.
حتى نص الدستور الذي ينظم العلاقة بين جميع السلطات لم يفلت من إستخدام متعسف خارج السياق فقد إستعمله النائب يحيى السعود في ضرب زميله معتز أبو رمان بعد مشادة بينهما في مشهد مؤذي للتجربة برمتها.
أحد الوزراء البارزين في الحكومة أبلغ القدس العربي بأنه يضطر للصمت طويلا تحت قبة البرلمان حتى لا يستمع لشتيمة تطاله من أي نائب وفي جلسة ودية عبر الوزير المخضرم حازم الناصر عن المفارقة عندما طرح السؤال التالي : ألم يكن التعامل مع الأخوان المسلمين أسهل؟
طبعا كان اوضح وأسهل- قال المسئول السياسي لجبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة عندما إستفسرت منه ‘القدس العربي’ حيث قال: هذه كلفة الإصلاح في وجباته المشوهة وغير الحقيقية.
التوتر في العلاقة بين السلطتين عبر عن نفسه مساء الثلاثاء الماضي عندما دعا رئيس الوزراء النواب لجلسة تشاورية غير رسمية بشأن ملف رفع أسعار الكهرباء.
حضر الإجتماع أولا 45 نائبا لكن إصرار الركن البرلماني البارز خليل عطية على حضور الإعلام للجلسة إنتهى بإنسحابه منها مع نحو 13 نائبا فبقي في الإجتماع أقل من 30 نائبا في رسالة صعبة ومعقدة تظهر الحكومة غير قادرة على الإستقطاب داخل البرلمان مما يفقدها عمليا شرعيتها .
وسط هذه الموجة من الإضطراب بدأ النواب الأربعاء بمناقشة الموازنة المالية التي تقدمت بها الحكومة وسيضطر النسور للإصغاء مرة أخرى لسلسلة من الخطابات التصعيدية التي توضح بإن إحتمالات التفاهم بين السلطتين تنهار بالقطعة .
رئيس المجلس السرور له تقدير في المسألة إستمعت له القدس العربي فهو يلاحظ بان عددا محدودا من الوزراء يظهر جاهزية حقيقية للتعاطي مع أسئلة ومداخلات وإستفسارات النواب.
السرور منع الأمناء العامين وكبار موظفي الوزارات من حضور الإجتماعات إلا في حالة طلبهم.. لذلك يتلقى الرجل يوميا طلبات من وزراء يرجونه فيها السماح لهم بإحضار موظفيهم للمساعدة في الرد على تساؤلات النواب.
تلك برأي الحجوج وأخرون علامة على سوء تحضير الوزراء لدرسهم ونقص جاهزيتهم.
لكنها في الواقع علامة أكبر على ضعف قدرات فريق النسور الوزاري فأربعة وزراء فقط من 18 لديهم خبرة في نقاش النواب والتعامل معهم وهو نقص إعترف به النسور مباشرة أمام ‘القدس العربي’ عندما قال بأن حكومته ليست مكتملة وتعاني من نقص سيحاول تعويضه بتعديل وزاري.
لكن يمكن ملاحظة الوقت وهو يمضي بدون تمكن النسور من التعديل الوزاري المطلوب فالتعديل أصبح اليوم إشارة حيوية على ثبات وصمود وتماسك جبهة الحكومة وتأخيره يعني بأن وزارة النسور دخلت حيز النقاش المرجعي بعنوان التغيير الوزاري.
في مستويات الدولة العميقة ثمة قناعتنان تحصدان النقاش حاليا الأولى تتعلق بالتيقن من أن الحكومة والبرلمان الحالي لن يستطيعا فعلا التعايش.
وهي قناعة يمكن القول أن شخصيات إستشارية بارزة في محيط القصر تعتقد بها كما يمكن تلمسها بين أسطر الملاحظات العلنية التي تقدم بها رئيس البرلمان السرور.
القناعة الثانية تتمثل في إظهار الندم على زيادة عدد مقاعد البرلمان والإيحاءات المتواصلة بان تعايش اي حكومة مستقبلا مع البرلمان بشكله الحالي يكاد يكون بمثابة المهمة المستحيلة مما يضع المجلس الحالي نفسه في دائرة سيناريو الرحيل قبل وقته الدستوري المفترض.
التضحية بالحكومة أسهل وأقل كلفة فالبرلمان على مشكلاته خفض مستوى الحراك الشعبي وقدم مساندة للملك والدولة في عدة ازمات بينها إتفاقية القدس مع محمود عباس وأزمة السفيرين السوري والعراقي.
بنفس الوقت من الصعب المجازفة بالبرلمان الحالي قبل إقراره لقانون إنتخاب جديد يعيد عدد المقاعد لوضعها السابق عند حد الـ 120 مقعدا خصوصا بعدما حاصر ميل الإسلاميين للتهدئة والصبر والرشد مخططات بعض المسئولين التصعيدية ضد الأخوان المسلمين.
اليوم وبخصوص البرلمان والحكومة وصلت بوصلة القرار لقناعة بان التعايش مع السلطتين معا أقرب للمهمة المستحيلة وثمة برنامج يتبلور ببطء لإعادة إنتاج المشهد لكن السؤال المطروح بميزان دقيق هو: أيهما يسقط قبل الثاني البرلمان أم الحكومة؟