حديقة التقسيم وعمان



حماده فراعنه
تكاد تواجه حكومة رجب طيب أردوغان السقوط ، بسبب المظاهرات والأعتصامات التي بدأت في إسطنبول وإمتدت لباقي المدن التركية ، ويكاد يفقد الرجل المحنك والقوي مستقبله السياسي بسبب إستمرار إحتجاجات الشارع التركي .

مظاهرات إسطنبول سياسية بإمتياز ، تقودها وتخطط لها وتنفذها مجموعات معارضة يسارية وقومية وليبرالية ، تهدف إلى تقويض مكانة حزب العدالة والتنمية ، وتعمل على إنهاء أو تقليص دوره بعد ثلاث دورات إنتخابية ، كان الحزب يتقدم في نسبة تحصيله الإنتخابي وتزداد شعبيته مع زيادة مداخيل الأتراك وتحسين مستوى معيشتهم وتسديد ديونهم والتقدم بالبلد نحو الأمام ، من الموقع الأقتصادي السابع عشر عالمياً ، نحو الموقع العاشر وحتى التاسع كما قال لي أردوغان نفسه خلال لقاء كنت أجريته معه العام الماضي .

ثورة إسطنبول ضد حكومة أردوغان لم تكن سياسية أصلاً ، بل تم توظيف دوافعها من قبل المعارضة ، للإحتجاج على برنامج حكومي لتغيير حديقة عامة تتوسط إسطنبول ، إلى معلم تجاري ، وهو تحول في نظر أنصار البيئة ، سيشوه إسطنبول التي كبرت على وجود هذه الحديقة التي تعتبر متنفساً لفقراء المدينة وحاضنة لتنزههم المجاني ولأحتفالاتهم الشعبية .

هناك يحتجون على إزالة الحديقة ونحن في عمان نتباهى بإزالة الحدائق ، ولا صوت ولا إحتجاج ولا من يكتب كلمة رداً على التطاول على حقوقنا كبشر وعلى سعادة أطفالنا المحرومين من الحدائق أصلاً ، وما توفر منها كانت ملاذاً لأطفال الفقراء حتى تم إعدام ملاذهم عبر إعدام العديد من الحدائق والمنتزهات العامة وتحويلها إلى مشاريع إستثمارية تجارية .

حديقة الدوار السادس ، الجميلة ، تم الأعتداء عليها وبيعها لمستثمرين وتحويلها إلى عمارتين تمثلان خازوقين ترتفعان للإستدلال على أن عمان غدت مدينة عصرية ، سندفع ثمنها من أعصابنا وراحتنا ، وسنكتشف سوء إدارتنا وسوء التخطيط ، بعد أن تتفاقم أزمة الدوار السادس ، على الدوار وفي أم أذينة والصويفية وشارع زهران حينما ينتهي البرجان – الخازوقان من النفاذ والأنشاء ، ويصبح أسطول سيارات سكان العمارتين قيد التداول وله حرية الحركة .

أنظروا إلى حديقة المدينة الرياضية تحولت إلى كتل إسمنتية وبنايات عريضة على حساب الحديقة التي تم إنشاءها كي تكون عنواناً لعمان ، وحديقة الأميرة هيا بالشميساني تم الأعتداء التدريجي لها ، حتى فقدت هويتها وشخصيتها وتحولت إلى محال تجارية ومقاهي للأرجيلة المؤذية ، وهناك حديقة في جبل الحسين قرب المخيم كانت متنفساً لأهالي المنطقة المكتظة بالمساكن الشعبية المتلاصقة ، بلا ملاعب وبلا أرصفة ، وتم تحويلها إلى مقرات أسمنتية ، على حساب الشجر والملعب الوحيد الشعبي المتوفر في المنطقة .

ما حصل لحدائق الدوار السادس ، والمدينة الرياضية ، والأميرة هيا ، وجبل الحسين ولغيرها ، يستحق أن تسقط حكومات بسببهم ، ويستحق أن يحاكم أمناء عمان الذين وافقوا ووقعوا على إعدام تلك الحدائق لأسباب إستثمارية أو شخصية أو نزولاً عند رغبة مستفيدين على حساب المواطن الذي يستحق الأهتمام والرعاية والنظافة وحسن الأدارة والتخطيط ، والذي حصل لهذه الحدائق جرائم ، ونحن بحاجة لحركة إحتجاج أقوى من تلك التي تحرك الأتراك بسببها في حديقة التقسيم في إسطنبول ، كي نستعيد حدائقنا في عمان ، وتُحترم بيئتنا وحقوقنا كمواطنيين !! .
h.faraneh@yahoo.com