في العديد من الدول المتقدمة اقتصاديا يكون خيار ادراج اسهم الشركة المساهمة العامة خيارا مفتوحا, بمعنى ان هناك اكثر من بورصة يمكن للشركة ان تدرج أسهمها عليها. وتتم المفاضلة بين البورصات بناء على عدة أسس قد يكون أهمها حجم السيولة التي تتمتع بها بورصة ما مقارنة بأخريات.

فالسيولة هي «اكسير حياة» البورصات, وارتفاع مستوى السيولة في بورصة ما عادة ما يؤدي الى ارتفاع أسعار الأوراق المالية المدرجة في تلك البورصة واقترابها أو تخطيها للقيم العادلة لتلك الأوراق (كيفما يتم تعريف القيمة العادلة, وهو أمر فني لا يخلو من الاجتهادات المختلفة). وهذا الارتفاع في أسعار الأوراق المالية المدرجة والمتأتي عن ارتفاع مستوى السيولة في بورصة ما عادة ما يجذب المزيد من الادراجات لتلك البورصة ويخلق طلبا متزايدا على الأوراق المالية المدرجة عليها مما يؤدي بدوره لتوليد مستويات أعلى من السيولة كما يقضي منطق الحلقة الحميدة.

وانطلاقا من مبدأ الخيار المفتوح المشار اليه أعلاه فقد ظهرت حالة من التنافس بين بورصات الاقتصاديات المتقدمة لجذب المزيد من الادراجات والمستثمرين والوسطاء على حساب بورصات أخرى, وأضحى هدف توسيع رقعة السيولة المنضوية تحت مظلة بورصة ما متطلبا أساسيا لخدمة استراتيجياتها  التنافسية.

وتزامن هذا التطور مع تطور أخر في عالم البورصات وهو تحول (أو تحويل) البورصة الى شركة مساهمة عامة تدرج وتتداول أسهمها على أنظمتها. وتعتمد في هذا الخصوص أليات طرح معينة وحقوق اكتتاب موجهة نحو شرائح استثمارية مختلفة كصناديق تقاعد العسكريين و المعلمين وموظفي الحكومة في تلك الدولة ومؤسسة الضمان الاجتماعي وموظفي البورصة والوسطاء والشركات المدرجة عليها, مع طرح كل أو جزء من الأسهم المتبقية للاكتتاب العام. 
ومما لا شك فيه أنه بتحول البورصة الى شركة مساهمة عامة مدرجة أصبح هدف الربحية من الأهداف الرئيسية لعملياتها واداراتها وترتب على ذلك اعداد وتنفيذ استراتيجيات تنافسية من شأنها زيادة دخل البورصة خاصة الناتج عن رسوم التداول والتي تعتمد بدورها بشكل كبير على حجم السيولة.

وقد ساعد ظهور البورصة بشكلها الجديد كشركة على عمليات اندماج مختلفة بين العديد من البورصات العالمية بهدف توسيع رقع السيولة, وهو ما لم يكن ممكنا في حال كون هذه البورصات مملوكة لحكومات أو لجمعيات نفع مشترك (كما في بعض دول أوروبا).
واذا ما نظرنا حاليا الى جغرافية و تضاريس عالم البورصات لوجدنا تكتلين دوليين يتمثلان ببورصة نيويورك يورونكست و بورصة ناسداك أومكس, ظهر الأول نتيجة لدمج عدة بورصات أوروبية مع بورصة نيويورك والثاني عند دمج بورصة ناسداك الأمريكية مع بورصة السويد. ويمثل كل من هذين التكتلين محاولة لخلق «نهر» أو «حزام» من السيولة يلتف حول العالم من خلال المزيد من الاندماجات والتحالفات الفنية والاستراتيجية مع بورصات أخرى في دول مختلفة.

لقد وعت البورصات العالمية أهمية توسيع رقعة السيولة وانهمكت في منافسة قوية لخدمة هذا الهدف الا أن المتاح لها من خيارات استراتيجية ليس متاحا بالضرورة للبورصات الأصغر حجما أو تلك العاملة في أسواق ناشئة أو نامية. فخيارات الأخيرة محدودة في اثنين: اما التخصص أو التجميع. والتخصص هنا يعني التركيز على ادراج وتداول أوراق مالية معينة كالصكوك الاسلامية ووصولات الايداع والمشتقات أو أسهم قطاعات معينة كالطاقة والبنوك وشركات التطوير العقاري, وهو توجه استراتجي بدأنا نشاهد بداياته في بعض البورصات العربية.

أما استراتيجية التجميع فتعني أن تركز بورصة ما على أن تكون «نقطة لقاء» لتجميع رقع السيولة الموجودة في منطقتها بهدف خلق رقعة سيولة اقليمية يتم ربطها مع بورصة عالمية أو أكثر مما يساعد على جذب المزيد من الاستثمارات في أسهم الشركات المحلية ويرفع من سوية معايير الافصاح والحوكمة وغيرها الى المستويات المتعارف عليها دوليا.
وفي ضوء هذه التطورات والمستجدات في عالم البورصات فان السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا عن بورصة عمان وماذا عن أهدافها الاستراتيجية على مدى الأعوام الخمس القادمة وما هي متطلبات النجاح لتحقيق هذه الأهداف؟

مجد شفيق