معالي الشيخ ..

يقولون : بئست الأمة التي داؤها علماؤها ، وبئست الأمة التي داؤها حُكامها ، وبعد هذا القول تصوروا كم نحن بؤساء ، بل أكثر بؤساً من بؤساء فيكتور هيجو ، فأي قلم يستطيع أن يصف حالنا ؟! وكيف وصلنا إلى هذا الدرك الأعلى من البؤس ؟!

لن أحاول وصف حالنا ، فالمشهد واضح وجلي أمام الجميع ، ولكنني سأجتهد كيف وصلنا إلى هذه الحال ، وكيف أصبح مشايخنا يتكالبون على صعود المنابر الخشبية ، والإلكترونية ، والفضائية ، ويتكالبون أمام قصور الحاكم العربي لنيل لقب معالي ، مع الاحتفاظ ما في الفعل " تكالب " من دلالات هي في سياق ما أريد .

باختصار شديد لأن المجال ضيق جداً .. في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام لم نقرأ فتوى أفتاها أحد الصحابة مع علو شأنهم ، وباعهم الطويل في العلم إلا وعادوا بما اجتهدوا إلى الرسول ، وفي عهد الخلفاء الراشدين لم نقرأ أيضاً فتوى أفتاها أحد الصحابة إلا بالرجوع إلى الخليفة صاحب الأمر والنهي ، وحتى الخليفة نفسه كان يشاور الصحابة فيما يشك فيه ، وجاءت الدولة الأموية بعد ذلك وبقيت الأمور أقرب إلى التحكم بها ، وفي العصر العباسي مال الناس إلى التراخي مما دفع أئمة أربعة في وضع اجتهاداتهم بين الناس ، وفي عصر الانترنت أصبح لمئات الآلاف من الشيوخ مواقع " تويتر " وصفحة " فيسبوك " و" إيميل " إضافة إلى عشرات الفضائيات التي تحتفي بهم ، وقد يكونوا شركاء في إنتاجها ، ومن المعروف أن أكثرهم أميون ، ونلمس ذلك من فتاويهم المضحكة والمخجلة ، ومنها تحريم خلوة الأب مع ابنته البالغة ، وتحريم خلوة الرجل مع شاب وسيم ، حتى وصل الأمر إلى جهاد المناكحة ، والسماح للمرأة المتزوجة بأخذ إذن من زوجها للجهاد في سرير رجل آخر .

السؤال الآن : لماذا يتكالبُ الشيوخ على الظهور من خلال أي وسيلة ؟ وفي الوقت الذي كان فيه للأمة الإسلامية مرجع ديني واحد أصبح لكل مسلم منا والحمد لله شيخ لا مرجع له سوى رغبته في الظهور ، ولا يجد من يردعه ، فمن يحمينا من مشايخنا ؟ أما يكفينا فساد الحاكمين الذين يُفترض بنا طاعتهم حتى تكتمل دائرة الفساد بالعلماء الذين يُفترض بنا احترامهم
لن أقبـّل يد شيخ بعد اليوم كما كنت أقبل يد شيخ قريتنا وأنا صغير لأنني رأيت أبي أطال الله بعمره يقبل يده من أجل علمه ودينه وصدقه ، وهو أفقر أهل القرية مالاً.