ما حقيقة الاتّهامات ضد مؤسسة الغذاء و الدواء؟


 إن موضوع مراقبة الغذاء والدواء في الأردن شائك نسبياً كون الأردن ما يزال بلدا ناشئا من حيث القوانين والتشريعات التي تحدد الأطر والأساليب والقوانين التي من خلالها يتم الحفاظ على السلامة العامة، وما يزال الأردن دولة غير منتجة من الناحية الصناعية ومن ناحية البحث العلمي في مجال الغذاء والدواء، ومع ذلك تعتبر المملكة دولة رائدة في هذا المجال في المنطقة العربية.

ولكن الأهم من ذلك هو أن موضوع مراقبة الغذاء والدواء موضوع خطير أي مرتبط ارتباطا مباشرا بالأمن الغذائي والاقتصادي الاردني. فهناك اتهامات وادعاءت ضد مؤسسة الغذاء والدواء حول آلية عملها في تطبيق القانون ومراقبة الغذاء والدواء وهناك من يتساءل هل يوجد إهمال أو فساد في المؤسسة؟ وهل صحة المواطن الاردني في خطر جراء استهلاكه أدوية وأغذية قد تسبب له السرطان والأمراض الاخرى على المدى البعيد؟!
إن هذا التقرير يهدف بالدرجة الأولى إلى أن يبحث في صحة هذه الاتهامات ومحاولة الاجابة على تساؤلات أخرى حول المؤسسة وادارتها ومقارنة عملها بمؤسسات الغذاء والدواء في الدول المتقدمة.

فخلال الشهور الماضية تحدثت مع مدير المؤسسة الحالي الدكتور هايل عبيدات حول الأسباب التي دعت مؤسسته إلى إغلاق العديد من المطاعم المحلية والمطاعم ذات الأصول الأجنبية وغيرها من مؤسسات غذائية والذي تسبب بوجود حملات إعلامية بعضها يؤيد وبعضها ينتقد. الدكتور عبيدات حدثني عن أهدافه في إرساء ثقافة احترام القوانين والأنظمة فيما يتعلق بصحة المواطن دون الأخذ بعين الاعتبار الثقافة السائدة في الأردن والتي تعتمد على "الواسطة" لكي يتم تمرير أغذية أو أدوية قد تضر بصحة المواطن, وغني عن الذكر هنا أن "الواسطة" في مجال الغذاء والدواء تعني فساداً بل وجريمة كبرى بحق صحة المواطن.

كما تحدث الدكتور عبيدات عن البعد الاقتصادي والسياسي في عمله حيث قال إنه لا يتوانى عن تطبيق القانون مع أي جهة مخالفة حتى لو كانت جهة متنفذة، وعند سؤاله عن: ماذا لو تدخلت جهات متنفذة في الدولة لمساعدة المخالفين قال لي: "للأمانة لم يحاول أحد ثنيي عما أقوم به طالما أني أطبق القانون".

كلام الدكتور عبيدات له مؤيدوه ومعارضوه، فالدكتوره سناء قموه وهي موظفة سابقة في المؤسسة، وكذلك وزارة الصحة، لهما رأي آخر ليس فقط فيما يقوله الدكتور عبيدات بل وفي آلية عمل مؤسسة الغذاء والدواء وعن مخالفات خطيرة للقانون وضد صحة المواطن الاردني وامنه. فقد تحدثت وتواصلت مع الدكتورة سناء قموه هاتفيا ومن خلال الإنترنت حيث وصفت لي "الغذاء والدواء" بأنها مؤسسة تقوم "بتضليل المواطن" وأنها أي المؤسسة تقوم بالتحايل على الأنظمة والقوانين "لحسابات خاصة". الجدير بالذكر هنا أن الدكتورة قموه حاصلة على درجة الدكتوراه في تكنولوجيا الغذاء من جامعة بريطانية مرموقة واعتراضها على عمل المؤسسة مسجل بوضوح في وثيقة من عدة صفحات أرسلتها لي للاطلاع على "مخالفات" المؤسسة بحق القانون والمواطن على السواء. 

هناك ثلاثة محاور أساسية ذكرتها قموه في الوثيقة, المحور الأول: هو موضوع اللبنة التركية وحول كيفية تهاون أو تآمر المؤسسة في إنتاج وبيع مادة تعتبر مضرة للمستهلك, أما المحور الثاني: فهو قضية سمك الباسا فيتنامي المنشأ والذي تقول الدكتوره قموه بأنه ملوث بمواد مسرطنة من بلد المنشأ حيث تلجأ الشركات المنتجة هناك "بإطعام السمك قمامة ومن ثم يعالج السمك هناك بمادة "مالاكيت جرين" المسرطنة والتي تسببت في ارتفاع نسبة أمراض السرطان في الاردن، حسب ما قالت لي الدكتوره قموه، والمجمد المقطوع رأسه أرجنتيني المنشأ. 

والمحور الثالث: هو موضوع الدواء في الأردن والذي تقول عنه الدكتورة قموه حسب الوثيقة التي بعثتها لي بأن هناك "شراكة غير بريئة" بين وزارة الصحة ومؤسسة الغذاء والدواء من جهة وبين شركة أدوية تعتبر المنتج الرئيسي في الأردن للأدوية المقلدة للأدوية الأصلية والتي عادةً ما تحمل نفس مكونات الدواء الأصلي بترخيص من الشركة صاحبة براءة الاختراع الأصلي.

هذا وقد ارسلت رسالة للشركة المعنية بتاريخ السادس عشر من شهر شباط (فبراير) الماضي في محاولة لإتاحة المجال للشركة للاجابة على هذه الاتهامات إلا أني لم أتلق أي رد الكتروني أو هاتفي للاجابة على أسئلتي .

بدا لي كلام الدكتورة قموة المكتوب في الوثيقة حول الأسماك والألبان غير دقيق حيث وجدت أنه من المستحيل إثبات ما تقول بشكل كامل وعلمي خلال عدة أشهر من البحث والتدقيق في معلومات الدكتورة قموه. فعندما بحثت في هذه الادعاءات حول الأسماك والتي منشأها الأرجنتين "الملوثة الشواطئ" أو فيتنام التي " تغذي أسماكها القمامة " والتي تأتي بدورها للأردن وجدت أن هذه الادعاءات لا يمكن اثباتها, فسمك الباسا يتم تصديره أيضا إلى الدول الأوروبية التي لديها قوانين صارمة يجب أن تطبق في دول المنشأ قبل وصولها إلى المستهلك الأوروبي ولا يمكن إطعام السمك "قمامة" لكي تعيش أو تنظيفها بمواد مسرطنة ومن ثم يتم تصديرها إلى الدول الاخرى. 

هذا وقد اطلعت على المواقع الاليكترونية وتراسلت مع بعض مزراع إنتاج أسماك الباسا في فيتنام والتي تصدر إنتاجها إلى بعض الدول العربية مثل السعودية والامارات ودول الاتحاد الأوروبي فوجدت أنها تحمل تصنيفات الرقابة القانونية العالمية من حيث الإنتاج والنظافة . أما الشواطئ الأرجنتينية فتبلغ مساحتها مئات الآلاف من الأميال ولم تحدد السيدة قموه أية الشواطئ هي الملوثة بمياه الصرف الصحي والذي يأتي سمكها لطاولة المستهلك الأردني, وبالرغم من أني اطلعت على دراسة علمية منشورة لجامعة أرجنتينية مهمة حول السمك لم أجد هناك ما يدل أن السمك الأرجنتيني يتم تلويثه أو اصطياده من شواطئ ملوثة. إلا أن كلام السيدة قموه صحيح في أن السمك في الاردن يحتوي على نسب متفاوتة من الطفيليات الضارة والخطرة .