التمكين الديمقراطي .. معان ودلالات - الورقة النقاشية الرابعة لجلالة الملك


تضمنت الورقة الرابعة من اوراق جلالة الملك عبدالله الثاني النقاشية ما يتعلق بمفهوم "التمكين الديمقراطي"،وقد حرص جلالة الملك على استخدام هذه الكلمة للدلالة على معاني ودلالات كبيرة تعكس النهج الديمقراطي في الاردن واين نحن منه ، وماذا نعمل لتطوير هذا النهج ،
فالتمكين مفهوم تدل عليه كلمة مكونة من عدة حروف لكن المعاني والدلالات التي تحتويها هذه الكلمة كبيرة جدا تفوق كثيرا كثيرا عدد حروفها ،فمن حيث تشخيص الواقع يعني مفهوم التمكين ان تطوير النهج الديمقراطي المتبع حاليا يتطلب السير ببرنامج متكامل لرفع الاداء،وللسير بالبرنامج المطلوب يستدعي تشخيص الوضع الحالي واجراء تقييم اولي ومن ثم اجراء تقييم دوري في كل مرحلة من المراحل ،ومن حيث القدرة يعني التمكين زيادة قدرة الفرد والمجتمع على اداء افضل ويعني تأهيل الكوادر وتدريبها لتصبح متمكنة من اداء دورها بفاعلية وتعني ترسيخ مفاهيم مشتركة بين افراد المجتمع الواحد ،ومن حيث التدرج يعني التمكين ان تطوير النهج الحالي لا يمكن ان يتم فورا او مرة واحدة ،فهو بحاجة الى تدرج وعلى مراحل، ومن حيث الممارسة يعني التمكين ان التدرب النظري لا يكفي لوحده في تحقيق الهدف المنشود مالم ترافقه ممارسة فعلية وعملية على ارض الواقع ، ومن حيث التعلم يعني التمكين ان نواصل البحث والتعلم من المجتمعات الناجحة والدول المتقدمة الأخرى ونستقي منها مانراه نافعا ومنسجما مع مجتمعاتنا ،ومن حيث الهدف يدل مفهوم التمكين ان هناك هدف مستقبلي لابد من الاستعداد والاعداد للوصول اليه،ومن حيث توسيع المشاركة يعني التمكين ان الاقتصار على شريحة محددة في العملية السياسية او غيرها لن يؤدي الى تمكين المجتمع بأكمله من تحقيق الأهداف المرجوة فلا بد من توسيع مشاركة كافة شرائح المجتمع ،اما من حيث الكفاءة فليس المقصود هو الوصول الى الهدف فقط لكن المطلوب ان نصل لتحقيق الهدف بكفاءة كبيرة ومستوى جودة عالي .
وفي حياتنا اليومية هناك العديد من الامثلة التي يمكن ان نسوقها للدلالة على ما يشمله مفهوم التمكين ، فللتمكن من الحصول على الدرجات العلمية المتقدمة ، يستدعي الوقوف على الدرجة العلمية الحالية ومن ثم البدء ببرنامج تدريجي علمي للوصول الى هذا الهدف،وللتمكن من استخدام اللغات الاخرى بطلاقة يستدعي اجراء اختبار لتحديد المستوى الحالي ،ومن ثم تحديد خطة تتضمن عدد البرامج التعليمية التي يتطلبها الامر والفترة اللازمة لكل برنامج ،وللتمكن من قيادة المركبات او الطائرات بكفاءة لا يكفي التعلم على كيفية قيادة المركبة أو الطائرة نظريا ،بل لابد من التدرب على ممارسة القيادة عمليا ،وللتمكن من رفع مستوى الاداء والانتاجية في اي مؤسسة يستدعي توسيع مشاركة العاملين في اعداد استراتيجيتها وبرامجها التنفيذية ،وعدم اقتصارها على فئات محددة .
وقد سبق وأن اشرت في مقالات سابقة عديدة الى ان التمكن من تحقيق اللامركزية في الاردن يستدعي السير بخطة تدريجية لـتأهيل الكوادر الفنية والأدارية في المحافظات ،وأن زيادة فعالية الرقابة المالية يستدعي رفع كفاءة العاملين في المجال المالي والمحاسبي وتمكينهم من العمل بكفاءة ،وفي الجانب الأقتصادي ايضا يمكن القول ان التمكن من زيادة الناتج المحلي الأجمالي ورفع سوية الأقتصاد الوطني والخروج من التحديات الأقتصادية الكبيرة يستدعي السير في برنامج تدريجي علمي وعلى مراحل.
الورقة النقاشية الرابعة والاوراق النقاشية ألاخرى التي سبقتها لجلالة الملك تعكس نهج عمل متكامل مطلوب من المجتمع بأكمله ،وما يميزها انها تأتي بدعم وتشجيع من القيادة على عكس مانراه في دول كثيرة من العالم ،وانها اوراق نقاشية وليست تعليمات اي بمعنى ان جلالة الملك لم يردها ان تكون تعليمات للتنفيذ وما علينا الا مدحها دون ابداء اية اراء بناءة بشأنها ،فهي ورقة تقاشية والنقاش يثري الموضوع ويزيد من ترسيخ القناعات المشتركة .
لذلك فلابد ان نمضي قدما ببرنامج التمكين وتشخيص الوضع الحالي لتحديد كم نسبة المشاركة السياسية الحالية في المجتمع وكم النسبة التي نهدف من الوصول اليها في كل عام ،وما هي الاهداف الاستراتيجية و الفرعية التي يتطلبها برنامج التمكين ، ومن ثم استكمال المراحل الأخرى اللازمة لذلك .