سلطات منزوعة الادوار وتوسع لنفوذ الامراء والديوان والمخابرات .. والاصلاح يتطلب ان يحسم "الملك" خياره بالتغيير

اخبار البلد : خاص - القى النائب علي السنيد محاضرة وصفت بغير المسبوقة في ملتقى الشجرة في الرمثا، وذلك وسط نخبة من المثقفين واصحاب الرأي استعرض فيها تطورات عملية الاصلاح في الاردن، ومدى استجابة النظام الاردني لمتطلبات الربيع العربي، واجرى مقاربة بين اداء انظمة المنطقة العربية التي تسببت في هيجان العرب، ونزولهم الى الشوارع وبين الانظمة الديموقراطية الحديثة التي تحمي حقوق الافراد وحرياتهم

وقال السنيد:

يشرفني ايها الاخوة ان التقي بكم اليوم على ضفاف جرحنا الوطني، وان تأخذنا القضية العامة في الاردن الى افاق ومجالات رحبة من التحليل، ، والنقاش وصولا الى فهم مديات التغيير المستقبلية، وذلك انطلاقا من فهمنا لواقع الحال، وبعدنا عن المجاملات والدوافع الشعورية التي ابقتنا رهائن التغيب، وضياع الحقوق .

وانا اعتقد ان النظام السياسي الاردني جاء على صيغة النظم القديمة في نشأته، وهو يحاكي السلطة التقليدية المنفلتة من عقال الشعوب، وذلك من حيث آلية عمل السلطات، ومنتجها الاول من الحقوق والحريات العامة .

وعموما فان الملكيات العربية هي سلطات مطلقة، والسلطة المطلقة هي مفسدة بالضرورة، وهي استمرار وتعبير عن جملة الملكيات الكلاسيكية المغرقة في القدم، والتي هي نظم متناقضة مع روح العدالة، والمنطق، وتقوم على فرضية عنصرية مفادها ان هنالك اسرا مقدسة، او تملك خصائص لا تتوفر في غيرها من حيث العرق، وهذا محض خرافة واساطير، وهو ما ابطله الفكر السياسي الحديث الذي اعتبر ان النظم السياسية هي تعبير بالمحصلة عن ارادة الشعوب، وتطلعاتها واشواقها الوطنية.
وان السلطة مردها الى اصوات المواطنين، وافترض ان الشعوب مستودع الشرعية، وانها مصدر السلطة، ومنبعها الوحيد، وان السلطة تأتي كتعبير عن ارادة الناس، ومحققة لمصالحهم.

والملكية الحديثة التي بقيت من خلف الثورات الاوروبية ، وقد اطاحت بالمفهوم التقليدي للسلطة، هي ملكيات رمزية تعبر عن رمزية السلطة، وليس عن السلطة ذاتها، وهي تملك ولا تحكم، وقد ابقتها بعض الامم كرمز مستمد من التراث السياسي القديم، ولكون هذه الملكيات انحازت الى حق الشعوب في التحرر، ولم تصطدم بها، وتخلت راضية عن التمسك بالسلطة.

وقد حلت الشعوب عقدة السلطة التاريخية في كثير من الدول، واعادتها الى دورها في خدمة الامة، ووضعت اسسا واضحة لتشكلها، واقامت انظمة مستمدة مباشرة من صناديق الاقتراع، واصوات المواطنين، ووفق آليات واضحة تتيح حقوقا متساوية للجميع للمشاركة السياسية، ولتصبح عملية الحكم مراقبة، وتحولت القوة الشعبية المملوكة بشكل فردي الى المؤسسات التي باتت ممثلة الشرعية كونها تعود في حق ممارستها للحكم الى الشعب صاحب السيادة، والذي هو وحده مستودع الشرعية.

وقد وضعت الدساتير، وبينت آلية تشكل السلطات، وحددت عمرها الزمني، وصلاحياتها، ولم تعد عملية الحكم مبهمة، او محكومة لقوة في الغيب، او طلاسم لا يفك شيفرتها سوى من رفعته لحظة حظ ، او انقلاب عكسري الى قمة هرم السلطة ، وتحول الى صاحبها الوحيد ، واقصى الجميع عنها، ووظفها في خدمته، والوصول بها الى المكتسبات، والحياة الرغيدة، والباهضة على عاتق الشعوب، وارتقى باسرته فوق الاسر، ووضع الصلاحيات كلها في حوزته، واعتبر ان ما يقدمه من بعض فوائد السلطة هي مكارم يجود بها عن طيب خاطر منه للشعب، وليست حقوقا ناجمة عن عملية الحكم كما هو متعارف عليه في حقل السياسة .

هذا الفرد يحول اجهزة الدولة ومؤسساتها الى ادوات خاصة به يحكم بها قبضته على الشعب، ويسد عليه منافذ الحرية، ويحكم السيطرة على المقدرات الوطنية، وتتحول الدولة الى محظ خادمة له، ولتطلعاته الفردية، ويعطي لاسرته وعائلته سمة السمو، ولنفسه صفة العظمة، وتصبح اقواله بمثابة قوانين، وافعاله موجهة للاجيال، وفي ذلك احلال للشخص على الدولة، وبالتالي يتحول الفرد المطلق الى رمز الدولة الاكبر، وكلماته الى رؤية سياسية ترسم طريق الاجيال، ويرتقي بذاته فوق البشر، ولا تعود هنالك قوة دستورية قادرة على ان تراقبه ، او تخطأه، او تخضع اقواله وافعاله الى المحاسبة حتى يأذن الله بالتغير .

وبالتالي يحدث التداخل المذموم بين الفرد والوطن، ويغدو حب الوطن يمر من مسرب حبه الجبري، وتكمن الخيانة في الاختلاف عليه، ولو على مستوى المشاعر، وهو ما سعى الفكر السياسي الحديث الذي انتصر للشعوب اخيرا الى اعادة نسخه، وتبيان مدى الانحراف فيه وخروجه عن سوية المنطق ، وجعل المؤسسية هي اساس النظام في الدولة، ووضع الشعب مرجعة للحكم كونه يصدر حتما عنه، وهو الثابت الوحيد في عملية الحكم، وكذا تبقى السلطة متحركة، وتخضع لعامل التغيير وفق تطور حالة الوعي الشعبي، وما تقرره صناديق الاقتراع من توجهات وبرامج للحكم.

تمكنت الدساتير الحديثة من وضع الاطار النظري للسلطات، والقائم على احقية الشعوب في حكم نفسها، ثم تركت ماهية تشكيل هذه السلطات الى ما تقرره الاغلبية الشعبية، وما تقبل به الاقلية بالضرورة.

وتطورت عن ذلك اجواء وفضاءات الثقافة الديموقراطية الواسعة التي ترسخ مبدأ تباين الاراء وتنوعها، وحتمية تشكيل الحواضن الشعبية لهذه الافكار والبرامج، وهي الروافع الشعبية، والمدارس العامة التي تخرج السياسيين، والتي تنبني على مخرجاتها عملية فرز النخب، وانتخابها، وتقديمها الى بوتقة الحكم، وهي الاحزاب السياسية، ولأن هذا الوعاء الذي تتيحه اجواء الحرية حيث هي المنتج الاول للنظم المبنية على اسس حديثة، فضلا عن الحقوق والحريات المتساوية هذا الوعاء اتاح تباين الاراء، واختلافها وفي ذلك اغناء لبرامج الحكم المختلفة، وما تقدمه من خيارات متنوعة تتناسب وميول شتى الفئات الشعبية.
وبالتالي قامت عملية الحكم على اساس من حرية الفرد، وحقه في المشاركة السياسية، وان تكون السلطة محض خادمة للشعب، وتتشكل وفق ارادته، وهنالك آلية واضحة للسلطات، وتقيس عمرها الزمني، ولها صلاحيات مرتبطة بها على اساس ما تقرره الدساتير، وهي تراقب بعضها البعض، ويعتمد عمرها الزمني حصرا على مدى الرضى الشعبي، وما تقدمه من خدمات عامة، وحقوق ومكتسبات متساوية لدافع الضرائب، والذي يجد في اجواء الحرية، وحقوق المشاركة السياسية الضمانات الكافية للشروع بعملية التنمية، والانتاج، وتكييف الواقع الاجتماعي وفق متطلبات التغير، وما يناسب تطوير كافة مجالات الحياة.

اما السلطة العربية بشقيها الملكي والجمهوري فهي تتنكر لحق الشعوب في نشوئها، والتي تجيء على صيغة مبهمة في تشكلها ومبدأها، ولعل ادق ما يصف ذلك عبارة " نودي به ملكا"، وهي حكر على اسرة بعينها لا يحق لغيرها ان تنافسها بها، وهي مركزة بيد واحدة، وتنتفي المسؤولية على ممارسة الحكم ، وينعدم الفاصل بين المال العام، وجيب الرئيس، وتتضاءل المؤسسات امام قوة الفرد المطلق.

وقد اقام النظام في الاردن هياكل المؤسسات الديموقراطية ثم سعى لافراغها من مضمونها، فالسلطات منزوعة الادوار، ولا تعدو كونها ادوات النظام في تنفيذ توجهاته وارادته السياسية.

والملك هو رمز الدولة الاول، وكافة السلطات تعود اليه بموجب صلاحياته الدستورية، وهو يرأس السلطة التنفيذية ويتولاها بواسطة رئيس وزرائه، والسلطة التشريعية ينتخب الشعب نوابها ويعين الملك نصفها الاخر، وهو يدعو المجلس للانعقاد ويفضه وله خطاب العرش فيه، ويصادق على قوانينه. والسلطة القضائية تصدر احكامها باسمه ، وله حق العفو في الاحكام، وهو القائد الاعلى للجيش، وكل هذا لم يمنع الدستور عن القول ان الامة مصدر السلطات، واعفى الملك من المسؤولية واعتبر اوامره الشفهية والمكتوبة لا تعفي الوزراء من مسؤوليتهم. وهذه الصلاحيات الممنوحة للملك لم تجرؤ كافة التعديلات الدستورية على الاقتراب منها، وابقت خلل التوازن قائما في الدستور، ولذلك بدت السلطات مقزمة، وفاقدة للقدرة على العمل، وغير قادرة على ان تمارس ادوارها، او تفرض لها حيزا مستمدا من الدستور، فما تزال الحكومات تفتقد لقدرتها على فرض ولايتها العامة، وهنالك مراكز قوى خارج عملية الحكم ، وتملك من التأثير ما يفوق قدرة الحكومات واجهزتها، وربما تملك الامكانية على الاطاحة بها واعاقتها عن العمل في اية لحظة.

والقضاء لا يملك ان يكون مستقلا، والسلطة التشريعية غير قادرة على ان تكون على مستوى من تنطق باسمه دستوريا، وهو الشعب الذي تضاءل دوره في العملية السياسية لصالح توسع صلاحيات الفرد المطلق.

وغابت القوة الدستورية عن سلطات الدولة في ظل وجود من ينازعها الصلاحيات، وفي ظل تمكن مراكز قوى لا تملك صفة دستورية من الاستيلاء على بعض مهامها، وادوارها، ومن ذلك توسع اثر ونفوذ طبقة الملكة، والامراء، والديوان الملكي ، والمخابرات العامة على حساب الدور المنوط دستوريا بالحكومة، وظهور مراكز قوى قادرة على التأثير والقرار، ومنها العوائل والشخصيات التي تتحرك في الحيز القائم من خارج السلطات.

وفي ظل وجود عملية سياسية لا تحتكم باصولها الى الاصول المعروفة في الديموقراطيات، ومحاولة تمريرها وكأنها هي الديموقراطية بذاتها نجمت عن عملية الحكم جملة من الظواهرالسلبية التي تراءات في السنوات الاخيرة، واثرت على صورة المملكة، والحقت الشعب الاردني بقائمة الشعوب المضطربة، ولعل من اهمها فقدان هيبة الدولة، وتدمير سمعة المؤسسات، وحالة الانفصال بين المواطن والمفاهيم القديمة في الوطنية، ولحوق شبهة الفساد بكل من له صفة رسمية، وهذه الظواهر قاسمها المشترك غياب الرقابة الشعبية عن عملية الحكم، وعدم قدرة السلطات على ممارسة ادوارها دون تدخلات، مما افرز هذا الحجم المتعاظم من الفساد، والتطاول على المال العام والذي تعود المسؤولية فيه على اللاعبين السياسين، ولعل من اقلهم السلطة التنفيذية التي قد لا تملك الكثير من اوراق العملية السياسية الجارية.

وتعرض المال العام الذي يعود في جله الى دافع الضرائب الى عمليات السرقة الممنهجة والاستنزاف لتتكون طبقة من لصوص المال العام مهيئة بدورها لاستلام السلطة وتدويرها عادة في اطار الاولاد والاحفاد، والشلل والمحاسيب ، وجرى بيع اصول الدولة، وتحويلها في مهامها الوظيفية الى دور الخادم او الذيلي لقوى الاستعمار التقليدي في المنطقة، وذلك طمعا في الحصول على المساعدات الخارجية التي باتت الدولة مرتهنة لها، وتحدد موازناتها على اساسها، وتم تأجير الدولة، ورهن قرارها السيادي ، وتسيرها بعيدا عن تحقيق الطموحات الشعبية، وبما يلبي الحاجات الدينية، والقومية للانسان الاردني.

عملية الحكم الممارسة في الاردن قد لا تصل في حدها الاعلى الى حالة الاستبداد وتعريض حياة الناس الى الخطر، واستخدام السلطة بشكل دموي وعنيف، وربما ان بعض نواتج العملية السياسية من الحريات تمثلت في الواقع الا ان الية تشكيل الحكم تتيح كل ذلك والوصول الى حالة الاستبداد الكامل في ظل عدم التوازن بين السلطات في الدستور، والذي لم تأت التعديلات الدستورية الا على الشيء البسيط منه.

وان عملية الاصلاح المنتظرة، والتي لا يملك النظام ترف الوقت للتهرب منها، خاصة وانها متطلب نظام اكثر منها متطلبا شعبيا، وهي الوصفة الوحيدة للخروج من عنق الازمة، وهي تكمن في التوافق المرغوب بين الارادة الشعبية، والنظام على اهمية تصويب العلاقة من خلال اعادة السلطة الى المؤسسات الدستورية، والخضوع لمصدر الشرعية الوحيد، ورفع اليد عن مقدرات الدولة ومواردها، واعادة المسروقات، وترك المؤسسات تنهض بالداخل الاردني، هذه الوصفة هي التي تحمي الاردن من الانتقال الى احدى صيغ الشارع العربي الملتهبة، وهذا الحل التاريخي يعتمد ابتداءا على نضج السلطة، واستعدادها للتخلي طوعا عن التفرد بالحكم، وتوظيف السلطة في خدمة الاسر والعوائل.

والاصلاح في الاردن يكون بتجاوز الشكل القديم للسلطة، والخروج من كافة الادوار التمثيلية ، والبروتوكولية المبالغ بها، وحالة البذخ الاسطورية ، وتشييد القصور الفارهة على حساب شعب فقير يذوق الامرين للحصول على ابسط متطلبات الحياة، والموازنات المثقلة بالديون، والتي تعاني عجزا مستمرا في ظل تواصل حالة الانفاق الجائر للنظام وطبقة الحكم.

والاصل ان يعي النظام انه لن يفلت من دائرة الخطر التي احاطت بمعظم دول الاقليم ، وافضت الى سقوط العديد من الانظمة العربية، وهي مؤهلة لان تشمل في السنوات القادمة المزيد من منها على خلفية ذات الاسباب والمسببات التي افضت الى هيجان الشعوب العربية، والتي تعود في مجملها الى كسر هذه الشعوب حاجز السلطة اخيرا، واكتشاف قدرتها على احداث التغيير، وتنبهها الى حجم الخسارات التي لحقت بها نتيجة الصمت، والخنوع، وتبينت هشاشة الانظمة التي تفتقد للشرعية، وتمارس السلطة باسم الشعب، ودون الحصول على اذنه، وتعمل على اخضاعه للابتزاز على ابسط حقوقه وحرياته في مقابل مواصلة معزوفة المحافظة على الامن والامان .

النظام الاردني يحاول ان يمرر لعبة الوقت، وهو يراهن على قدرته على تجاوز مطلب الشعب بفصل الحكم عن الملكية، وتحديد صلاحيات الملك دستوريا، والمحاسبة التاريخية لحقبة الفساد الكبرى ، واستعادة اصول الدولة، واراضي الخزينة المغدورة، وكأنها ملفات قابلة للنسيان، ويمكن بعد ذلك الاستمرار بالصيغة التقليدية للحكم التي تضمن بقاء الصلاحيات والنفوذ بيد واحدة، والتي في حال تغيرها سيصار الى اعادة تقاسم السلطة، والى فقدان المكتسبات للبعض، وهو ما يشي بان النظام ما يزال ينتظر على فوهة البركان ما ستنجم عنه احوال وظروف المنطقة، وانه لم يتجاوز ازمة السلطة التي تفجرت فيها، رغم اتباع سياسة الاحتواء الامنية، والتي حققت بعض النتائج الانية، وابقت على اصل المشكلة قائمة.

النظام الاردني ما يزال يحيق به الخطر، وان تفاقم وتزايد مظاهر الازمة الاقتصادية قد يكون مدخل التغير العنيف، وان ما اصاب النظم في المنطقة العربية لم يكن ليخطأه لولا توازن هذا الشعب، وعدم ميله نحو التطرف، وجنوحه نحو التغير السلمي، وهو ما تبدى باعطاء فرصة التغير وقد تكون الاخيرة من خلال التوجه الى الانتخابات النيابية، وانتخاب مجلس النواب الذي يمكن له ان يكون بوابة التغير اذا ادرك دوره الاستثنائي في هذه المرحلة، وان ينقل مطالب الاردنين بأمانة الى حيز التنفيذ، والا فنذر الفوضى والاضطرابات قادمة لتلحق المملكة لا سمح الله بسوية غيرها من النظم التي فشلت في الديموقراطية، ولم تقرأ جيدا درس التاريخ.

ولن يجد الشعب الاردني الذي تحيط به ضائقة اقتصادية خانقة ، ومردها في الاساس الى سوء التخطيط، وعدم الامانة في تطوير مستقبل الاجيال، لن يجد نفسه الا مدفوعا الى احداث التغير العنيف، وهو الذي دفع بالبرلمان الى الواجهة الشعبية ، على امل منه لتجنب اسوء الخيارات ، ولايصال مطالبه سلميا الى حيز القرار والتأثير.

الا ان مطالب الاصلاح الجذري تبقى تصطدم بجدار السلطة المطلقة، حيث الاصرار على ابقاء العملية السياسية الجارية على اصولها، والحفاظ على ذات الصيغ والمسميات، والوجوه والنهج القديم الذي اوصلنا الى الانسداد السياسي الراهن. وما ذلك الا لغياب الرؤية، وعدم القدرة على سماع صوت الاخر، والاستفادة من مجريات الاقليم التي تراءت عيانا، فالاصلاح ليس فقط في جوهره عائد الى رغبات وتمنيات وطموحات شعبية، وانما هو بالضرورة متطلب نظام اكثر منه متطلبا شعبيا، وان الصيغة التي ظلت الانظمة العربية تطرح نفسها بها ليست صيغة مستقبلية، وهي غير قابلة للاستمرارية، وهي لا تعدو كونها مستمدة من اشكال الحكم التي بادت منذ العصور الوسطى، وقد تجاوزها الزمن، وتركتها الشعوب الحرة وراء ظهرها.

والاصلاح الناجز في الاردن يتطلب ان يحسم الملك خياره بالتغير، وان يترك الحكم للشعب ليتداوله وفق قاعدة الاغلبية والاقلية الشعبية، وبالتالي يخلي القصر نفسه من المسؤولية، ويمكن للملك ان ينيط مهمة تشكيل الحكومات بالبرلمان بشكل نهائي، والذي سيصبح في هذه الحالة مسؤولا عن سياساتها أي البرلمان، والى الشعب تعود المسؤولية الكبرى كونه جهة الفرز التي اسفرت عن هؤلاء النواب.

ولا شك ان جملة القوانين الاساسية التي تتحدد على اساسها حجم الحريات واشكالها هي اس الديموقراطية، وجرهرها، وهي التي تحدد مدى تطورها، وقدرتها على الاستجابة لمتطلبات المستقبل، ومن ذلك قوانين الصحافة والحياة الحزبية، والانتخابات، وهي التي تدفع من خلال مواءمتها لحاجات الناس الى تحسين الفرز النيابي، والذي قد يصبح مستقبلا اكثر قدرة على تحقيق النجاح، وتوفير البدائل.

ان خطورة بالغة تحيق بالانظمة التي لا تريد ان تكيف نفسها مع متطلبات الشعوب والتي اظهرتها المرحلة الاخيرة من تاريخ المنطقة، وما اطلق عليه في الادب السياسي الربيع العربي، وستظل تعاني في مجال الشرعية، ولن تستطيع ان تتجاوز عقدة تطور الوعي، وانكشاف حقيقة السلطة، وانفضاح سر الفساد، ومكمنه ان السلطة غير الشعبية تخدم النخبة، ولا تعود بالفائدة على الشعب كله صاحب السلطات، ومالك العملية السياسية على وجه الشيوع.

واليوم نقف امام لحظة تغير تاريخي تتفيأ المنطقة ظلالها، وكل نظام يتهرب من استحقاقات الحالة الشعبية سيداهمة التغيير على حين غفلة، وسيجد نفسه يتبخر، وقد يعجز عن مجاراة التغيير المفاجئ، وتكيف نفسه مع متطلبات البقاء.

عقدة السلطة تم حلها تاريخيا من خلال حراك الشعوب الحرة، وانتفاضاتها وثوراتها التي اعادت السلطة المنفلتة الى حيز الشعوب، ووضعتها في اطرها الدستورية المعروفة، وما اطلق عليه في الفكر السياسي الحديث العقد الاجتماعي.

والامة العربية ليست بمنأى عن التغيير، وليست بدعا من الامم، ولن تنتظر طويلا وقد انتصر عصر الشعوب وولى عهد الاستبداد، والقهر واغتصاب السلطة، وتنصيبب البعض نفسه وصيا على الشعوب، واحلامها وطموحاتها العادلة.

شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

النائب علي السنيد