ما1ذا يريد الاردنييون

 

ماذا يريد الأردنيون؟
التخلص من النهجين الاقتصادي والسياسي اللذين أديا إلى إفقار الأردنيين
الاحتكام إلى الدستور وعودة الأمور في بلدهم إلى مسارها الصحيح 
برلمان يمثل الأردنيين وحكومة مؤتمنة عليهم وعلى وطنهم
هيئة وطنية محايدة لوضع قانون انتخابات يلبي طموح الأردنيين
التوقف عن تصنيع البدائل وإعادة بناء الثقة بالدولة
توقف بعض المسؤولين عن الحديث عن الفساد الذي يشبه وعظ الثعالب
مؤتمر وطني لتحديد أولويات المستقبل وإعادة بناء الثقة

بلال حسن التل

ليس صحيحاً ان الأردنيين نزلوا إلى الشوارع رفضا لفقرهم, واحتجاجا على غلاء الأسعار, فلو كان الأمر كذلك, فإن هذا يعني ان الأردنيين انقلبوا على تاريخهم وطبيعتهم, اللتين تؤكدان ان الأردنيين لا ينزلون إلى الشوارع, إلا من أجل القضايا الكبرى ولتحديد مواقفهم من هذه القضايا, التي غالبا ما تكون قومية وسياسية. في هذا السياق جاء نزول الأردنيين الأخير إلى الشوارع, ليعلنوا احتجاجهم على نهج اقتصادي أدى إلى نهج سياسي أخرج بلدهم عن المألوف والطبيعي من مساره السياسي والاقتصادي. ودليلنا على ان الأردنيين لم يخرجوا احتجاجا على ارتفاع الأسعار, وأن هذا الارتفاع كان مجرد قشّة قصمت ظهر البعير, وجعلت صبر الأردنيين ينفذ من نهج إفقارهم وتجويعهم, دليلنا على ذلك, هتافات الأردنيين في مسيرات الجمعة المطالبة برحيل الحكومة, وحل مجلس النواب وبإصلاحات سياسية واقتصادية جذرية. ولذلك لم تثنيهم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة بعض جوانب معاناتهم اليومية, والتي أمر بها جلالة الملك, وانصاعت لها الحكومة. بل زاد إصرارهم على رحيل الحكومة ومعها المجلس النيابي, الذي جاءت به ليعطيها ثقة غير مسبوقة. فجاء نزول الأردنيين إلى الشارع إعلانا صريحا بأنه لا الحكومة, ولا مجلس النواب يمثلان الأردنيين, ويحسان بهم لذلك هتف الأردنيون لمليكهم الذي شكل دائما ملاذهم الأخير, وهتفوا ضد الحكومة ومجلسها النيابي, اللذين صارا عبئاً عليهم.

إذن رحيل الحكومة ومعها مجلسها النيابي هو ما يريده الأردنيون. ليكون هذا الرحيل بداية عودة الأمور في بلدنا إلى  مسارها الصحيح. وأول ذلك التخلص من نهج اقتصادي عانى منه الأردنيون طويلاً, لأن أصحاب هذا النهج مارسوا خداع الأرقام طويلاً. وتحدثوا عن نمو اقتصادي لم يلمس له الأردنيون أثراً, إلا في ثراء من صاروا يعرفون بالليبراليين الذين أثروا ثراء فاحشاً, لأنهم أداروا البلاد بعقلية مديري الشركات, وبعقلية الفوز بأكبر جزء من الكعكة. فهؤلاء لم يكن همهم بناء اقتصاد وطن ودولة بل بناء اقتصاد عائلات, لا يهمها إلا جمع الثروات الحرام. فقد تعامل هؤلاء مع الوظيفة العامة على انها فرصة لجني الغنائم, فلم يترددوا ببيع أصول البلاد أرضاً ومنشآت وشركات ومؤسسات لها علاقة بسيادة البلاد. ورغم ذلك تضخمت المديونية ولم تتحسن أحوال البلاد والعباد.

      ولم تتوقف آثار النهج الاقتصادي, الذي نزل الأردنيون إلى الشوارع للهتاف ضده, عند حدود بيع أصول البلاد وزيادة مديونيتها. بل سعى أصحاب هذا النهج إلى فرض نهج سياسي غريب على بلدنا. بأن جعلوا القرار الاقتصادي سيداً على القرار السياسي وقائداً له. وكانت أول آثار ذلك إيجاد فجوة بين الأردنيين ودولتهم. عندما قرر أصحاب النهج الاقتصادي الذي تحكم ببلدنا خلال السنوات الماضية, ان لا علاقة للدولة بالرعاية الاجتماعية لمواطنيها. فسعوا إلى تقليص خدماتها ودعمها للسلع الأساسية مع رفع متتالٍ للضرائب والأسعار, انعكس إفقاراً للأردنيين وإثراء للفاسدين, من الذين صاروا يعرفون بالليبراليين الذين خرج الأردنيون يهتفون ضد نهجهم السياسي والاقتصادي خلال الأسابيع الماضية.
     
وعلى ذكر الفساد والمفسدين نحب أن نقول: إن من أهم أسباب نزول الأردنيين إلى الشارع هو ضيقهم من حجم الفساد, الذي صار يعصف بدولتهم. ومع ذلك تريد حكوماتهم منهم أن يقدموا إليها أدلة وبراهين على وجود الفساد والفاسدين. وكأن مطاردة المجرمين والقبض عليهم ومحاكمتهم صارت من مهمة المواطن, لا من واجبات المسؤول. فأي منطق غريب هذا الذي تتحدث به حكوماتنا؟! ثم من قال إن الفساد هو السرقة والرشوة والتلاعب بالعطاءات فقط؟

* أليس التلاعب بالقوانين والأنظمة فساداً؟

* أليست مصادرة إرادة الأردنيين وتزويرها فساداً؟

* أليس توزير من لا خبرة له ولا تاريخ في العمل العام فساداً؟

* أليس تنفيع المحاسيب والأصدقاء بالعقود الوظيفية وغير الوظيفية فساداً؟

* أليس توظيف خريج حديث السن على انه خبير وبراتب ضخم فساداً؟

* أليس التوظيف من خارج نظام الخدمة المدنية فساداً؟

* أليست الإحالة إلى التقاعد وإعادة التعيين براتب واجر أعلى فساداً؟

* أليس تغيير أثاث المكاتب في دوائر ومؤسسات الدولة وفق "الموضة" ووفق مزاج الوزير والمدير فساداً؟

* أليست مظاهر البذخ التي يمارسها المسؤولون فساداً؟

* أليس تغيير السيارات بالأحدث والأفخم فساداً؟

إن الفساد الذي تمارسه حكوماتنا لا تُعدُّ أشكاله ولا ألوانه, وهو ما يرفضه الأردنيون, لذلك نزلوا إلى الشارع يطالبون بإرادة سياسية حقيقية لمكافحة الفساد. يتولى تنفيذها وتجسيدها رجال أطهار, مشهود لهم بالنزاهة. وبغير ذلك يظل حديث بعض المسؤولين عن مكافحة الفساد مما ينطبق عليه قول الشاعر (لبس الثعلب يوما لباس الواعظين), بل ان مما يزيد من غضب الأردنيين أن يخرج عليهم فاسدٌ ليحدثهم عن مكافحة الفساد!

إن هتاف الأردنيين ضد النهج الاقتصادي, ورحيل الحكومة يعني أول ما يعني ان الأردنيين يريدون نهجا سياسياً جديداً, يعيد الأمور إلى نصابها في بلدهم. وأول ذلك أن يحتكم الجميع إلى الدستور. وان لا يتخذ أي قرار له علاقة بالأردن والأردنيون خارج إطار المؤسسات الدستورية, التي تُشكل وفق أحكام الدستور. وهذا يعني أن يتم التوقف عن ممارسة مصادرة إرادة الأردنيين وتزوير هذه الإرادة. وهذا لن يتم إلا إذا تم التوصل وعبر هيئة وطنية محايدة إلى قانون انتخاب يمكن الأردنيين من اختيار من يمثلهم تحت قبة البرلمان. وفق الدائرة الانتخابية الواسعة بعد أن نتخلص من الدوائر الوهمية وسوءات الصوت الواحد. فالأردنيون يريدون مجلساً نيابياً قوياً قادراً على ممارسة أدواره الدستورية.

ومثلما يريد الأردنيون مجلسا نيابياً قوياً, فانهم يريدون أن يروا في المواقع المتقدمة في دولتهم وفي مفاصل هذه الدولة, أناساً منهم نتاج تجربتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية الطويلة. يمثلونهم ويحسون بما يحسون به. ولهم امتدادات اجتماعية ضاربة في البنية الاجتماعية الأردنية, فوجود هؤلاء يشعر الأردنيين بالطمأنينة على مستقبلهم ومستقبل وطنهم. وحتى يتم ذلك فلا بد من وقف عملية الاستنبات الشيطاني لمن يتولون المواقع المتقدمة في الدولة. ولا بد من قيام حكومة سياسية من شخصيات موثوقة للأردنيين قادرة على تجسيد رؤيا قيادتنا, يشعر معها الأردنيون انها لن تفرط بحقوقهم وبحقوق وطنهم.

والأردنيون الذين يريدون مجلساً نيابياً يمثلهم تمثيلاً حقيقياً. وحكومة مؤتمنة عليهم, وعلى وطنهم. يريدون أيضاً أن تتوقف عملية تصنيع البدائل. فقد صارت هذه العملية مكشوفة ممجوجة. فلم يعد مقبولاً أن يفرض على عشائرنا شيوخٌ إمّعات. ولم يعد مقبولاً أن تصنع في بلدنا أحزابٌ تكون مهمة بعضها نهش الأحزاب العريقة.. ويكون مهمة بعضها الآخر إضفاء طابع ديكوري على ديمقراطية الحكومات صاحبة الصوت الواحد والدوائر الوهمية. ولم يعد مقبولاً تصنيع صحفيين وإعلاميين لا يتقنون شيئاً إلا تزيين الأخطاء والخطايا والتصفيق للرئيس القادم وذم الرئيس المغادر. وفي هذا الإطار فان الأردنيين يريدون حماية مجتمعهم المدني والأهلي, ووضع حد للدور السلبي الذي تلعبه بعض المراكز والجمعيات والمؤسسات الإعلامية. التي صار همها إخضاع ثوابتنا الوطنية والقومية والدينية للنقاش, بهدف التشكيك بها خدمة لأجندات غير أردنية, ومن ثم غير عربية وغير إسلامية. فقد فاحت رائحة الجاسوسية من بعض المحسوبين على مجتمعنا المدني, الذين ينهشون في جدارنا  الوطني والقومي, الذي يقاتل الأردنيون دفاعاً عنه. فنزول الأردنيين إلى الشوارع مطالبين بنهج سياسي جديد يعني في صورة من صوره, ان الأردنيين يدافعون عن هويتهم الإسلامية وعمقهم العربي ووجههم المقاوم. فأصحاب النهج الاقتصادي الذي قادنا إلى ما نحن فيه هم الذين بشروا أيضاً بالتغريب والانخلاع من الجذور العربية الإسلامية. ولم يتردد بعضهم بالإعلان صراحة ان عمقنا هو باتجاه الغرب. وهو ما يرفضه الأردنيون الذين يعتبرون أنفسهم مكلفين باسترداد حقوق الأمة في فلسطين مثلما هم حماة جزيرة العرب, ومفتاح الهلال الخصيب. ولهؤلاء نقول: إنه ما من أحد في بلدنا ضد الإصلاح وضد التحديث وضد التطور, وتجربتنا  الأردنية خير مثال على التطور والتحديث الهادف القائم على تزاوج الأجيال وتفاعلها المستند إلى ثقافة الأمة وحضارتها, قبل أن تتسلل حفنة من الذين يطلقون على أنفسهم الليبراليين ويسميهم الأردنيون "مجموعة الديجتل" إلى مفاصل الدولة في غفلة من الزمن لتعبث بها فساداً وتفكيكاً. حتى قال الأردنيون كلمتهم تمسكاً بنظامهم ورفضاً لنهج الإفقار وإدارة الوطن على انه شركة.

نزل الأردنيون بهدوء وانضباط إلى الشارع وقالوا كلمتهم متحصنين بمؤسسة العرش متمسكين بقواتهم المسلحة واجهزتهم الامنية معلنين مطالبهم وصار من المهم ان يتداعى الأردنيون إلى مؤتمر وطني يحدد أولوياتهم الوطنية وظل أن نتكاتف جميعاً لإعادة بناء الثقة بدولتنا. ومؤسساتنا, وهذا يحتاج إلى عمل ثقافي إعلامي تعبوي متكامل وواعٍ. فهل نفعلها ونرتفع إلى مستوى المرحلة لنحافظ على دولتنا ووطننا ووحدة شعبنا؟