أوقفوا سيول الدماء فالتاريخ سيحاسبكم !!!!


أصبح العالم العربي مع الأسف مرادفا للحروب والانتحارات وكل مظاهر الاحتراق الذاتي : الديني والاثني والعرقي والطائفي التي تجرف معها كل إمكانيات وطاقات التقدم والرقي لهذه الأمة ماذا يجري في المنطقة العربية ؟ الأيدي المخضبة بالدماء العربية ، ماذا تريد ؟ أين عقلاء الأمة ومثقفوها وعلماؤها ومتنوروها ؟ أين الضمير الإنساني ليوقف المجازر ؟ لست متعصبا ولا متمذهبا طائفيا أو عرقيا ولا وهابيا متخلفا ولا حتى عروبيا شوفينيا ، فقط مواطن بسيط يعتقد بتواضع أن قتل الإنسان بسبب الهوية لهو أكبر غباء بشري على وجه الأرض... إن القلب يدمي من مشاهد الدماروالقتل اليوميين عبر الشاشات التي تنقل الصور البشعة كما تنقل مقابلات كرة القدم ... 

مشاهد القتل وسط الإخوة والأشقاء أو وسط البشر لا فرق في سوريا والعراق ولبنان وربما مصر والضفة والقطاع في الطريق لا قدر الله ، إنها الفتنة الطائفية لعنها الله ولا شيء آخر: فتنة دموية تأتي على الأخضر واليابس ويكتوي بها الأبرياء المدنيون لا المسلحون المسالمون قبل أي كان ....النساء والأطفال والشيوخ الذين لا ناقة لهم في الأمر ولا جمل ولا علاقة لهم بما حصل ويحصل وسيحصل في مستقبل الأيام ، ذنبهم الوحيد أنهم سوريون مثلا قدر المولى تعالى لهم أن يسكنوا أو يعيشوا في منطقة " استراتيجية " أو مسرح عمليات مصيرية لهذا الطرف المتناحر أو ذاك ....

يسألونك عن الموقف مما يجري ، ماذاسنقول ؟ الربيع العربي الذي لم يكد يينع حتى تحول إلى شتاء عاصف ولم يفرز لحد الآن إلاهذه الحرب المقيتة ومن لم ينزلق نحوها أو ما يشبهها ، تشرنق في الصراخ والشتائم والضرب تحت الأحزمة والتنابز واللحي والعمائم الظاهرة والمقنعة وبقيت شعارات الربيع إياه بمثابة كلام الليل ، وكلام الليل يمحوه النهار، يتبخر مع الملوخية عند أول حرارة بتعبير الروائي الكبير نجيب محفوظ ، وكأني بهؤلاء الفتية العرب المثيرين للشفقة (فالخذلان والانحراف مرعبان فعلا )، الأبناء المخلصين للحاسوب ولعصر الحقوق والحريات والديمقراطية... كأني بالفسابكة ( جمع تكسير لمستعملي الفيسبوك ) المتحمسين وقد خرجوا من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي في هبة مفاجئة لم يتوقعها أدق الخبراء الاستراتيجيين في الكون ، كأني بمعشر الفسابكة هؤلاء وقد أخذهم الدهش والقلق والانذهال عبر ما سماه العلامة ابن خلدون ب "الذهول عن المقاصد " وأخال أن هؤلاء المساكين لم يتوقعوا أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه واحتسبوها نقرة بسيطة على الفايسبوك تحرك الجموع نحوتحقيق الأحلام أو الأوهام لافرق...

لكن هيهات ، ياصحابي " أفكها يامن وحلتيها !!! "هل غرر بكم الحاج فيسبوك والمستر تويتر إلى هذا الحد فذهلتم إزاء الواقع المرالذي جهلتموه أو تجاهلتموه عن حسن نية طبعا ؟ هل نسجتم في الغرف المغلقة خيوط مؤامرة على شعوبكم كما يلوك البعض ؟ هل أسقطتم حسكم الطفولي البسيط الصادق على واقع لا يخلو من تشابك وتعقيد ؟ أيها الفتية الجميلون أفهمتم الآن مغزى حكمة الآباء والأجداد " مية تخميمة وتخميمة ولا ضربة بالمقص " ؟ لكن الفهم هنا والآن عزكم بالطبع ونخشى أن يكون قد فات الأوان....

يسألونك عن الموقف مما يجري ، لو قلت انك مع صف ما يسمى ب " قوى الممانعة " فأنت مع جرائم النظام السوري ( أي الطائفة العلوية الحاكمة بالأساس وهي شيعية الهوى بغض النظر عن علمانيتها أو بعثيتها ) النظام الذي يدك المنازل على أهلها الآمنين ويشرد ويقتل ويسفك الدم دون تمييز بمساندة ودعم نظام الملالي في طهران والميليشيات المعلومة في لبنان ، وكل هذا جائز للقضاء على الإرهابيين والتكفيريين ، لو تجرأت وقلت انك مع النظام الممانع ، فأنت في أحسن الأحوال شعوبي مجوسي ضال زنديق من أسلاف قتلة عمروالصحابة رضوان الله عليهم ومن عبدة النار والمبتدعة منذ مزدك وزرادشت وعبد الله بن المقفع وابن الراوندي و كسرى أنو شروان ( يقصد بهم الشيعة عموما معتدليهم وغلاتهم ) وإذا تموقفت لصالح المعارضة أو على الأقل همست مع الهامسين " إن لبنان للبنانيين " فأنت عميل إسرائيل والأمريكان أو تكفيري في أحسن الأحوال أو وهابي في ألطفها ، أعرف أن الكثيرين لن يروقهم كلامي هذا ، لكني أقوله مع ذلك بصوت عال ولا يهمني موقف هؤلاء ولا سخط أولئك مادام الساكت عن الحق شيطان أخرس ....

عادت الفتنة الكبرى إذن / مأساة أمة بدل أن يحقن عرابوها الدماء العربية والمسلمة تراهم يزيدون الفتنة أوارا وسعارا وجحيما وبكل صفاقة همجية لا تمت لدين أو أخلاق أوأية قيم بصلة ، فهذا الملتحي الطامع في ولاية الفقيه بلبنان المسكين يصرخ ويهدد بالويل والثبوروعظائم الأمور إن لم يبتعد القوم عن نظام الممانعة البطل في الشام المتآمر عليه رغم أن اسرائيل ضربته في عقر داره ولم يحرك ساكنا أو يبد أية بطولة سوى في قتل وتشريد أبناء جلدته ( ونحن نعلم تماما أن الثورة في سوريا بدأت سلمية ودون تعليق إضافي ) يخرج الملتحي المعمم صاحب النصر الإلهي وراء الشاشة في انتظار مشروع آية الله اللبناني فيجيبه في المقابل الشيخ المعمم الوصي على أهل السنة والجماعة المنكوبين بالدولار والغازأمير التنظيم الاخواني العالمي والطامح إلى إعلاء كلمة الخلافة الإسلامية من الدوحة والجزيرة ( هناك أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط ) داعيا إلى الجهاد الصريح لا ضد إسرائيل ولكن في حق بشار ومن والاه ولا سيما الحزب الذي يحمل حاشا لله صفة الله الواحد الأحد جل علاه ، رغم أن طائفيته لا غبار عليها ولا تخفى حتى على الأطفال الصغار ....هل قدر لنا أن نبكي على الدمن والأطلال في كل مرة ؟ رب متسائل يؤكد أن للحرية والعدالة والكرامة ثمنها ....لكن اسمحوا لي أن أقول إن ما نعيشه هوعبارة عن دوامة مستمرة لا نهاية لها...انظروا إلى المستفيد من الحروب الأهلية حاليا ولن تعدموا الإجابة...والى أن يتسع الوطن للجميع وأن يكون ولاؤنا للوطن قبل أي شيء آخر والى أن تصبح المواطنة هي لغتنا المقدسة ستبقى الشعوب والأوطان عبر جغرافيتنا الدامية هي الخاسر الأكبر في هذه اللعبة الحقيرة والمؤامرة الوضيعة ، وكيف للشعوب أن تتآمر على أوطانها إلا إذا كانت غارقة في التخلف والغباء والظلام والعماء ؟...

مرة أخرى وأخيرة نصرخ بكل حناجرنا حتى تبح أو تتقطع أوتارها: أين عقلاء الأمة ومثقفوها وعلماؤها ومتنوروها ؟ أوقفوا سيول الدماء فالتاريخ سيحاسبكم .... الشيخ جهاد الزغول