ذكريات عماني قديم


سنة 1937 من القرن الماضي كنت تلميذاً في الصف الأول من المدرسة الابتدائية الحكومية في جبل عمان، وكان عدد أفراد الصف حوالي أربعين طالباً، وتطلب الأمر واسطة قوية لقبولي؛ لأن عدد الطلاب في الصف كان يزيد على الحد المقرر رسمياً.
ونظراً لاكتظاظ تلك المدرسة بالطلاب، جرى توزيع طلابها على مدارس ابتدائية أخرى منها المدرسة العسبلية التي نقلت اليها بعد سنتين ودخلت الصف الثالث فيها، وكانت تلك المدرسة تقع بالقرب من الديوان الأميري وفندق فيلادلفيا في ذلك الحين، وهو يقع قرب مكان مكاتب أمانة العاصمة السابقة/ في شارع الهاشمي حالياً.
علماً أنني عملت لاحقاً نائباً لأمين العاصمة وأميناً للعاصمة بالوكالة عدة مرات في سنتي 1976 و1977.
وكان الأمير عبدالله في حينه يداوم في ديوانه الساعة السابعة والنصف صباحاً، فكان يأتي في أحيان كثيرة لاستعراض الطلبة وسماع نشيد عاش الأمير ثم يذهب للدوام.
وكان الديوان الأميري مكوناً من طابق واحد فيه حوالي سبع غرف بما فيها غرفة الأمير ورئيس ديوانه وموظفوه والحرس.
وكان يقف على باب الديوان حارسان شركسيان باللباس التقليدي يؤدون التحية لكبار الزوار والضباط الذين يؤمون الديوان أو يخرجون منه.
وكان في المدرسة الابتدائية خمسة صفوف فقط، وكان الذي ينهي الصف الخامس ينتقل إلى الصف السادس في المدرسة الثانوية التي كانت تشغل عمارة في ملك وصفي ميرزا/ في شارع الملك طلال.
وكان الذين ينتقلون من المدارس الابتدائية الثلاث وهي العبدلية والعسبلية ومدرسة جبل اللويبدة هم الطلاب الذي يحصلون على درجة تقل على 15، أما الذين تزيد درجتهم على ذلك فكانوا لا يقبلون، وكان عليهم إما إعادة الصف الخامس في مدرستهم أو الذهاب للدوام في مدارس أخرى مثل المطران أو الكلية الإسلامية وهما الكليتان الوحيدتان في ذلك الحين. بل إن الكلية الإسلامية لم تكن موجودة إلا بعد سنة 1941 على ما أعتقد، أو ترك الدراسة أو الذهاب للدراسة في القدس أو الشام أو بيروت كما فعل الكثير من الطلاب في ذلك الحين.
وشاءت الصدف في ذلك العام أن درجتي كانت 16، ولم أقبل بفارق علامة واحدة، واضطررت لإعادة الصف الخامس وهو الصف الوحيد الذي أعدته طيلة دراستي الابتدائية والثانوية والجامعية، وحصلت في السنة الثانية على الدرجة الخامسة، وقبلت بسهولة في الصف السادس وأكملت دراستي.
وقد أفادني اعادة الصف الخامس والحصول على الدرجة الخامسة، حيث حافظت على هذا المستوى المتقدم في الدرجة في المستقبل الدراسي.
وكانت المدرسة الثانوية في عمان تضم الصفوف السادس والسابع والأول الثانوي والثاني الثانوي فقط.
أما بعد ذلك فلم يكن هناك ثالث ورابع ثانوي إلا في مدينة السلط، حيث يذهب الراغبون في اكمال تعليمهم إلى هناك من مدارس عمان وإربد، وهما المدرستان الوحيدتان اللتان كانتا تضمان صفوفاً حتى الثاني الثانوي.
وقد استمر هذا الوضع حتى سنة 1947 حيث جرى افتتاح الثالث الثانوي في عمان واربد وسنة 1948 حيث جرى افتتاح رابع ثانوي في عمان وإربد.
وقد درست الثالث ثانوي في ثانوية عمان ورابع ثانوي/ النصف الاول في ثانوية اربد والنصف الثاني في الكلية العلمية الاسلامية في عمان/ وتقدمت للتوجيهي سنة 1948 ونجحت في الامتحان واعطاني والدي في حينها 5 دنانير حلوان، وذهبت بها مع اثنين من الاصدقاء الى دمشق حيث امضينا ثلاثة أيام وكانت أول مرة أخرج فيها من الأردن.
ومن الجدير بالذكر أن في عمان تلك الايام لم يكن سوى صيدلية واحدة في شارع فيصل يملكها عبدالرحيم جردانة وثلاثة أطباء هم: قاسم ملحس وسوران وجميل التوتنجي، بالاضافة الى المستشفى الطلياني والست العرجا وهي طبيبة بريطانية عيادتها في وادي سرور وكانت عيادات الاطباء في شارع الرضا وشارع الهاشمي حيث كانت عيادة الدكتور جميل التوتنجي ومقابلها كان محل عمي عبدالعزيز الدحلة الذي كان يتاجر بالمواد الغذائية، فكنت تجد بكب الديوان الأميري يقف أمامه لتحميل أكياس السكر والأرز والشاي وتنك السمن والزيت والجبنة وغيرها وكانت عمان في تلك الايام بلداً صغيراً لا يزيد عدد سكانها على 20 او 30 الف على ما اعتقد.