شرق اوسط جديد جدا..!!
شرق أوسط جديد جدا..
إن تسارع الأحداث وانعطافها بشكل دراماتيكي سريع نحو التغيير ( الثوري ) أو التغيير المقبول شعبيا بشكل نسبي يدفعنا للوقوف والتأمل والبحث عن محركات هذا الانهيار السلس نوعا ما للأنظمة العربية ذات الملفات الشائكة أو الساخنة .
ففي لبنان استطاع حزب الله أن يقلب الطاولة على فريق الحريري من خلال أجندة متقنة بتوقيت مدروس قام فيه حزب الله بسحب وزراء الثامن من آذار والوزير ( الوديعة كما يطلق عليه) المعين من طرف رئيس الجمهورية ثم تلاها عملية استعراض القوة لترويض جنبلاط وجلبه لمعسكره لضمان الأغلبية في البرلمان بما يضمن لحزب الله إسقاط قرارات المحكمة الدولية المرتقبة من الشرعية اللبنانية الجديدة بعد إسقاط الحريري حيث سيسابق حزب الله الزمن مع الحكومة المتوقعة لرفض وسحب الغطاء اللبناني الرسمي عن المحكمة الدولية قبل إعلان القرار الظني وتسليم مذكرات الجلب للقضاء اللبناني ، ليصبح بالتالي ملف اغتيال الحريري ملفا شخصيا للحريري فقط .
وعليه ولتأكيد هروبها من استحقاق المحكمة وتداعيات الضغط عالميا وعربيا عليها كحكومة متمردة على القرارات الدولية فمن المتوقع أن تتحول لبنان كحكومة ومواقف بشكل علني إلى الحظيرة السورية الإيرانية التي تعمل على فرض فضاء شاعري (مقاومي) بحيث يشكل خاصرة ملتهبة للوطن العربي بفعل التأجيج العاطفي والإعلامي ليس أكثر لتكون بالتالي مجرد ذريعة أمريكية صهيونية للتصعيد والابتزاز لباقي الدول العربية .
وفي فلسطين يقوم الكيان الصهيوني بالتحكم بمسار المفاوضات وتمييعه وتشتيته بينما تقوم السلطة الوطنية بإدارة صراع فرض الاستحقاقات الإنسانية على الأرض من خلال استمرار التفاوض والتي تمارس فيه توريط نفسها مع محاولة الابتعاد عن ممارسة التفريط حيث باتت هذه المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة التي تملكها السلطة الفلسطينية لدوام كيان السلطة الغض والمحافظة على هيكله العظمي كحد أدنى أمام مخطط صهيوني بالغ التعقيد يرمي إلى تجريد السلطة من كل أسلحتها بما فيها سمعته وتاريخه الذي أصبح تحت الشك والاستهداف ليقوم بالتالي الكيان الصهيوني بمحاولات تجريد الشعب من الممثل الرسمي له والمعترف به دوليا.
ذلك يدفعنا بالتفكير مليا بالحملة التي تقوم فيها بعض وسائل الإعلام العربية والغربية والتي تعمدت إلى إطلاق صفة التسريبات على وثائق منشورة سابقا عن المفاوضات العديمة الجدوى التي تقوم بها السلطة مرغمة كما أسلفنا ، حيث لم يتم الاتفاق أو التوقيع على أي نقاط أو تنازلات جديدة بعد اتفاق أوسلو ولغاية الآن وكل ما نشر أو تم على ارض الواقع هو مجرد مفاوضات وربما مقترحات لتنازلات أو سقطات أو مناورات لا تلزم الشعب الفلسطيني أو السلطة بأي شيء على الصعيد الرسمي والدولي والشعبي .
في الوقت نفسه لم تأخذ وسائل الإعلام هذه بالتسريبات الفعلية التي تمت عبر ويكليكس والذي تحدثت عن قرار نتنياهو بإسقاط أبو مازن أو بتصريحات عديدة من مراكز الفكر الصهيوني والتي تطالب حكومة العدو الصهيوني باستبدال السلطة في الضفة بحماس لضمان الإغلاق الكامل للضفة والقطاع واخذ الذريعة الدولية لإنهاك الملف الفلسطيني وتجميده لعقود قادمة ،بل أخذت وسائل الإعلام هذه الدور المطلوب (صهيونيا) لتنفيذ خطة نتنياهو لاسقاط السلطة..!
إما في مصر فهناك من يعمد إلى توليد وتضخيم التناقضات الثانوية الطائفية بين مصر كدولة والأقباط كأقلية دينية ورفع درجة هذا التناقض إلى مرتبة الكارثة الداخلية حيث تعود محصلة أي حدث كتفجير الإسكندرية مثلا بالنفع الخاص على وزارة الداخلية للتشديد المبكر على أي تحركات شعبية محتملة والانغلاق الداخلي باتجاه مشاكل البلد خاصة بعد تحرير تونس واستحقاق التغيير الذي سيقمع بسبب الطوارئ المفروضة أصلا والمشددة حديثا بفعل التفجيرات والإشكالات الأمنية الأخيرة مع المصريين الأقباط .
إذا وبإضافة تقسيم السودان وتحييده لحل مشاكله في دارفور وجاره الجديد في الجنوب وإغراق اليمن بإرهاصات الحراك الجنوبي والقاعدة والحوثيين أيضا وإخراج العراق المبكر من الدائرة العربية الفعالة وإحراج الجزائر بالتحركات الشعبية والضغط الاقتصادي على الأردن والى آخره..وبإضافة ما سبق إلى الأحداث الدراماتيكية في لبنان وفلسطين مصر سنجد أن المحصلة والمخطط لها بالتأكيد هي شرق أوسط جديد جدا تنتقل المحاور فيه من تكتلات قومية إلى كتل إقليمية معظمها ملحق بأحد الركنين.. الأمريكي الصهيوني أو الركن الفارسي ليتم إعادة ترتيب الشرق الأوسط وفق اتفاق ( يالطا ) بين الركنيين .
*اتفاق يالطا : هي اتفاقية تقسيم المانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية .
جرير خلف