الهيبة لسيادة القانون .. وليس للدولة ..!!

 

في السنوات الاخيرة صرنا نعيش في حالة انفصام في طرح المصطلحات وخلط للاوراق تماما مثل ( طبيخ الشحادين) هناك حوار طرشان وهناك تغييب للحقائق وهناك عدم اتزان وتذبذب حتى في علاقاتنا الخارجية وكأننا نعيش اشبه ما يكون في حالة الفراغ التي تعيشه بعض دويلات جنوب افريقيا الانفصالية . 

في الاونة الاخيرة كثر الحديث من قبل رؤساء حكومات سابقين الذين وصفهم احد الكتاب بأنهم جاهزين لترأس الجاهات والعطوات وخطبة العرائس هؤلاء يتحدثون عن هيبة الدولة والرموز الوطنية ومنهم الرئيس الحالي الذي يريد ان يفرض هيبة الدولة وسيبدأ من معان , نعم انشتاين الاردن حولنا الى مسحوقين وفقراء ومتسولين نبحث عن دعم المحروقات امام البنوك نعم مبادراته اجهضتنا في رحلتي الشتاء والصيف فيتذكر المواطنين جيدا جرة الغاز التي رفعها في كوانين الشتاء وراح ضحيتها أربعة مواطنين ابرياء اثر الاحتجاجات التي عمت مدن المملكة واليوم يريد ان يستغل الصيف الحار ليرفع اسعار الكهرباء وبعض الاحيان يلوح برغيف الخبز الحاف ويريد ان يفرض هيبة الدولة وهو يعلم جيدا اننا فقدنا بوصلة توجيه الاقتصاد الوطني الاردني وعبء المواطن الضريبي يصل 51% من نفقات الدولة بمعنى ان المواطن هو الذي ينفق على الدولة . 

منذ سنوات وحسين باشا المجالي يتصدر الصحف بمصطلح ( هيبة الدولة ) وصدع رؤوسنا في كل اللقاءات والورشات والندوات وهو يتحدث عن هذا المصطلح ، فلابد أن نفرق بين الدولة والحكومة. يختلف مفهوم الدولة حسب المفكرين عن مفهوم الحكومة ، فالحكومة جزء من مكونات الدولة ، فالدولة تقوم على ثلاثة أركان، الشعب، والأرض، والحكومة، فاذا فقد ركن من الثلاثة، فقدت الدولة بمبناها ومعناها، أما الحكومة فهى السلطة الموكلة اليها تحقيق مصالح الشعب، وحراسة الأرض، وتطبيق القانون. 

ونظرا أن الحكومة ركن من أركان الدولة، وبيدها مقاليد الأمور، يحدث كثيرا الخلط بين الدولة والحكومة، وهذا الخلط غاية الخطورة، سيىء العاقبة منبع كل استبداد، فكل مستبد يبذل قصارى جهده للخلط بين الحكومة والدولة، وتدعيم هذا الخلط، وتعميمه بين افراد الشعب، حتى تصبح الدولة هى الحكومة، والحكومة هى الدولة وبحجة هيبة الدولة احتلينا ارقام قياسية وفلكية في الفساد لابل وانشئنا مؤسسه لمحاربته وبحجة هيبة الدولة سرقنا مقدرات وممتلكات الوطن وبعناها بسعر بخس وبحجة الهيبة اصدرنا القوانين الجائرة التي ملاءت صدور الرجال خوفا ورهبة، وحولت الشعب خادما للحكومة وبعض الاشخاص المتنفذين، وبحجة الهيبة فقدنا البوصلة الاقتصادية الوطنية وصرنا خداما لقوانين صناديق النقد الدولية وبحجة هيبة الدولة بعنا اراضي معسكرات الجيش العربي والعبدلي وميناء العقبة واصبحنا دولة بلا ميناء وبحجة الهيبة خرج علينا صلعان الديجتال ونهبوا خيرات البلاد والعباد تحت بند الخصخصة وحولونا الى دولة مستجديه تعيش على المعونات الخليجية وبحجة الهيبة طلع علينا شيوخ ووجهاء تفرخوا من مضابط الحارات لا يجيدون حتى لبس العباءات وبحجة الهيبة اصبح عندنا ثلاثة عشر مركز اصلاح يقابله اثنتا عشرة جامعه حكومية 

ومن اجل الهيبة استحدثنا قوات الدرك قوامها (70) ألف شرطي واصبحنا دولة بولوسية تصدر منتج اجهاض الحراكات الشعبية وفض الاعتصامات حتى في الدول الصديقة والمجاورة وفي المقابل ماذا حققت لنا هذه الهيبة اصبحنا الدولة الاكثر فقرا وجهلا لابل ونحتل ارقام جينيس في المشاجرات الجامعية والعشائرية والمجتمعية واذهبوا لديوان الخدمة لتقرأوا ان (277) ألف شاب وشابه ينتظرون على قارعة البطالة نعم احتلينا ارقام كارثية في الحريات لايوجد خلفنا على مستوى العالم الا تونس والصومال نتحدث عن هيبة الدولة ونحن عاجزين عن تأمين (100) ألف فرصة عمل في السنة , يتحدث الرئيس عن الهيبة واسواقنا اصبحت ملاذ لنفايات العالم واخرها فضيحة شحنة القمح التي يبدو ان الشعب اكلها بفئرانها وديدانها .
ووسيلة تحقيق الهيبة لا تأتي بقوات الدرك والغاز المسيل للدموع والهراوات بل ، بالقوة الاقتصادية، والقوة العلمية، والقوة الزراعية ومن ثم العسكرية وتتحقق الهيبة بأمرين الحكم بالعدل تطبيق القانون على الحاكم والمحكوم ، ولو بحثنا في كل وسائل الاعلام العالمية عن كلمة هيبة الدولة فلن نجدها ابدا لان الهيبة الوحيدة هي لسيادة القانون لكن عندنا مصطلح الهيبة يخفي دائما خلفه ظلما وتعسفا ابرزها الاستبداد بحياة المواطنين والتنكيل عليهم بزيادة الضرائب وعندنا هيبة القضاء والاجهزة الامنية خاصة جهاز المخابرات ومعناه الا تجرؤ على نقد قاضي او مسؤول امني كبير حتى لو اشترك في تزوير الانتخابات , بقي ان نقول ونحن نعيش ظلال مناقشة ورقة جلالة الملك عن الديمقراطية انه لا يوجد في العالم الديمقراطي ما يسمى هيبة الدولة او رموز الوطن ويجب ان نعلم انه في الدول الديمقراطية الحقيقية وليست المزيفة لا توجد هيبة الا هيبة القانون ولا يوجد رمز للوطن الا المواطن نفسه .