سقوط الأردوغانية
لا يمكننا التنبؤ الآن بمصير رئيس وزراء تركيا، رجب أردوغان، لكن الأردوغانية سقطت بالتأكيد؛ انتصرت سوريا، فبدأ العد العكسي لزوال أعدائها. ولكن ما الأردوغانية؟ قفز أردوغان إلى السلطة، وحافظ عليها، بالأغلبية الانتخابية البسيطة، لكنه كالإخوان المسلمين في كل مكان، اعتبر الفوز الانتخابي، منحة إلهية ـ لا فوزا انتخابيا مؤقتا ـ وتفويضا مطلقا في ديموقراطية على مقاس سلطاني: الاعتراض ممنوع، الاعتراض يحوّل السلطان إلى حاكم يمكن التفاوض معه. لذلك، دخل الرجل، حالما داهمته المظاهرات، في حالة انهيار نفسي، غادر البلاد في جولة على أتباعه في المغرب العربي، هاربا، إلى أحضانهم الإخوانية الدافئة، من المأزق، وأخذ يتلو عبارات التعزيم، مخاطبا نفسه من خلال مخاطبته أنصاره وحلفاءه " حافظوا على الهدوء، سنتجاوز كل هذه الأمور... اهدأوا واطمئنوا، وسيجري التغلب على كل هذا". ولعل هذا الخطاب أن يغدو درسا تطبيقيا في كليات علم النفس عن النوع السلطاني من خطابات التعزيم الذاتي. فيما خلا ذلك، لا شيء جديدا في تصريحات أردوغان؛ فالمتظاهرون عنده " عناصر متطرفة" تقود جمهورا "ساذجا"، في " مؤامرة داخلية وخارجية"، أما الحَكَم بينه وبين خصومه، ففي صندوق الانتخابات. والردّ على هذه الفكرة، سيأتي من رئيس الجمهورية، عبدالله غول، الأكثر سعادة بنزع هالة السلطانية عن رفيقه أردوغان:" الديموقراطية لا تعني فقط الانتخابات"! لم يطوّر الإخوان المسلمون حتى في تركيا، رؤية سياسية متطابقة مع الديموقراطية باعتبارها سياقا؛ فكل ما طوّروه هو تكتيك الخديعة: استغلال الشرعية الانتخابية النسبية للقفز منها إلى الشرعية السلطانية المطلقة. وهو ما يستلزم تبجيل الرئيس المنتَخَب من أنصاره وحلفائه في لحظة المصادفات السياسية اليومية وكأنه هبةٌ من الله وصوت التاريخ! لكن هذه العملية تحتاج إلى نجم سلطاني. في مصر، صادف أن الفائز الإخواني بالرئاسة لا يتوفّر على الميزات الشخصية للنجم، كذلك، فإن المصريين الواعين، غريزيا، بأن تبجيل الرئيس سيحوّله إلى سلطان، ركّزوا جهودهم، في توافق مذهل، على تحويل محمد مرسي إلى مسخرة، ومحل انقسام لا إجماع، في حين تمكن أردوغان من أن يغدو بطلا للأتراك والعرب والغرب، معا؛ فامتلك نواصي السُلطانية، بحيث أنه أضفى سحرا شاملا على برامجه وسياساته؛ فحازت القبول غير الخاضع للنقاش. ما الجديد، في برامج أردوغان، سوى تسويغ النيوليبرالية ( الخصخصة الشاملة وحرية التجارة ورأس المال غير المقيّدة) والكمبرادورية ( بيع معظم الموجودات التركية للرأسماليين الأجانب، وإخضاع البلاد لمصالحهم) وتخليق ازدهار وهمي هشّ ومؤقّت، ومحكوم بالانكشاف شبه الكامل للرأسمال الأجنبي، إلى درجة أن موجة أولى من المظاهرات السلمية، أطاحت البورصة! ترافقت عملية الخصخصة الاردوغانية بسياسة داخلية تقوم على منع وليس فقط قمع الاعتراض وقضم العلمانية والتعددية الثقافية والدينية. وقد تسارعت وتيرة القضم ذاك، في سنتيّ التورّط في سوريا على أساس طائفي، لتصدم، نصف تركيا العلماني الذي تم إلغاؤه لأن النصف الإسلامي منهم تمكن من الحصول على فوز انتخابي نسبي. خدعت الأردوغانية، جيرانها العرب والإيرانيين، بما سُمّي صفر مشاكل في السياسة الخارجية؛ فلم يكن ذلك نهجا وإنما مرحلة دعائية للحصول على الصدقية، ومن ثمّ، حين استولى الإخوان المسلمون على الربيع العربي، انتهت مسرحية الخصام مع إسرائيل ( كما فعل الإخوان ) وتحوّلت الأردوغانية إلى عثمانية طائفية، كشفت عن أطماعها وأنيابها وصلاتها بالسلفيين الإرهابيين، في سوريا. سوريا مفتاح المشرق؛ ولذا، فقد شكلت، لأردوغان، مغامرته الكبرى لاستعادة سلطنة بني عثمان. لكن انكسرت الغزوة، على أيدي المقاومة السورية، فتهاوى السلطان في حديقة غازي في اسطنبول، مجرد شرارة أيقظت المجتمع التركي من سحر الأردوغانية ، فانقسم، كالمجتمع المصري، ثقافيا بين التيار الديني والتيار المدني. وهذا صراع مديد سوف يشلّ تركيا حتما. |
||