المواقع الالكترونية من جديد

 د. مولود رقيبات.
تطفو على سطح المشهد الاعلامي هذه الايام موجة الاحتجاج غير المبررة التي يحاول بعض اصحاب المواقع الالكترونية اثارتها احتجاجا على قرار دائرة المطبوعات والنشر جهة الاختصاص باغلاق اكثر من 200 موقع مخالف لقانون المطبوعات والنشر. لا ندري لماذا كل هذا الزعيق والنعيق الذي يثيره اصحاب المواقع والناشرين ،والاغرب من هذا كله موقف نقابة الصحفيين من الموضوع ، فبدل ان تسعى مع الحكومة صاحبة الولاية في تنظيم مهنة الاعلام من اجل المحافظة على اخلاقيات المهنة ومصداقيتها والتي بدأت مؤخرا تتزعزع محليا ودوليا بسبب اشتغال كل من هب ودب في مهنة الصحافة والاعلام والتطاول في كثير من الاحيان على البريئين من رموز الوطن واحيانا اخرى نشر مواضيع لا تراعي مصلحة الوطن والمواطن تتضمن التحريض والفتنة وزعزعة الامن والاثارة بحجة حرية التعبير وحق ملكية وسائل الاعلام نجدها اي النقابة تستنكر وتسمح للناشرين المخالفين الوقوف امام النقابة منددين بالقرار ، في حين ينطوي دورها على اقناع هذه الفئة بضرورة الالتزام بالقانون كغيرهم من الناشرين. نعم الدستور الاردني يكفل الحريات العامة من سياسية وغيرها للمواطنين ملتزما بالعهد الدولي حول الحقوق المدنية للانسان ومن ضمنها حق التعبير وملكية وسائل الاعلام وابداء الرأي ولكن بما يتفق مع روح القوانين المرعية في البلد وبما يضمن حرية الاخرين وكرامتهم وخصوصيتهم ، اذ انه ليس هناك حريات مطلقة بلا رقابة فالحريات مسؤولة ومقيدة بالصالح العام والقانون في كل بلد. يبدو ان الزملاء ناشري واصحاب المواقع نسوا او تناسوا ان الاردن دولة متكاملة مثلها كباقي الدول تشكل مكوناتها كاملة بما فيها الاعلام منظومة واحدة كالجسد الواحد الذي لا يعمل فيه عضو بدون الاعضاء الاخرى ، وهذا يقودني للقول ان لا انفصال بين الحريات الاعلامية والدولة وقوانينها لان الاعلام ليس دولة مستقلة داخل الوطن الاردني . ففي الاردن مئات المواقع فلماذا لم يتم اغلاقها او حجبها جميعا واكتفى القرار بحجب تلك التي لم تحصل على التراخيص اللازمة ؟، وليسمح لي الزملاء ان اتوجه اليهم بالسؤال التالي : لماذا لم يسارعوا كغيرهم من اصحاب المواقع الاخرى بالحصول على التراخيص بالرغم من ان دائرة المطبوعات منحتهم الفرصة والوقت الكافي على مدى اكثر من عام لتصويب اوضاعهم والتقدم للترخيص؟ لكنهم تباطأو طويلا اما من باب الكسل او ربما الاستهتار والاتكال بان الحكومة عاجزة عن اتخاذ القرار الصائب بحقهم مهددين برفع الصوت في حال اتخذ القرار وهو ما نراه اليوم . والسؤال الاخر للزملاء وكذلك لنقابة الصحفيين ومركز حماية وحرية الصحفيين وكل الجهات التي تستنكر قرار الحكومة وتتهمها بتكميم الافواه وتقييد الحريات الاعلامية : هل بالامكان ان يتم فتح دكان صغير في قرية او مخيم او بادية دون الحصول على ترخيص ؟ والترخيص هنا ليس المقصود منه الحد من الحريات ، بل لتنظيم المهنة وضبطها في اطار يشكل البوصلة التي توجه العمل الاعلامي. وهل المطلوب يا نقابة الصحفيين ويا اصحاب المواقع بناء اعلام فوضوي دون قانون ونطام ولا حتى اطار تنظيمي؟ انتم من تدافعون عن حرية المواطن وتطالبون تطبيق القوانين وسيادتها ولكن لا تقبلونها على انفسكم ، الا يبدو ذلك غريبا ومتناقضا ايها الزملاء؟ هل تريدون دولة اعلامية الكترونية خارج حدود السيادة الوطنية ؟ وهل تقبلون ان يمتلك سائق الباص والسيارة جهاز كمبيوتر واشتراك بالانترنت لينصب نفسه صحفيا او ناشر الكتروني؟ اين غيرتكم على مهنة الصحافة وحرصكم على قوننة المهنة حفاظا على اخلاقياتها ومبادئها ،لتؤدي رسالتها بامانة ومهنية عالية؟ واخير ما الضير يا نقابة الصحفيين في ان يقوم كل موقع بتعيين صحفي عضو نقابة قادر على التعامل بمهنية وحرص على المهنة لنتجنب الوقوع بالاخطاء الشائعة والانحدار بمهنة الصحافة الى المستويات المتواضعة ؟ ولماذا لا نوفر للخريجين من كليات واقسام الاعلام الجامعيين فرصا للعمل في المهنة التي اعطوا من اجلها سنوات وتكبدوا تكاليف باهظة للحصول على مؤهل اعلامي؟ اسئلة كثيرة وكلها تندرج تحت الدهشة والاستغراب من دعوة الاعلاميين لفوضوية مهنتهم واتهامهم للحكومة بتقييد الحريات في الوقت الذي يتباهى العالم من حولنا بالحريات والاجواء الديمقراطية التي يعيشها الاعلام الاردني الذي يحظى بالعناية والاهتمام الملكي شخصيا ، حيث يؤكد جلالته بان حرية الاعلام سقفها السماء ولكن علينا نحن الاعلاميين ان نحرص على صيانة وحماية هذه الحرية وان نؤكد على مسؤوليتها وليس بعث الفوضى والفلتان في بعض وسائلها خاصة الالكترونية التي اصبحت تستهوي شريحة واسعة من المتابعين والمواطنين . فلنتق الله بوطننا وحكومتنا ومهنتنا العزيزة وان لا نتركها بورا يحرثه كل طارئ عليها. فالقرار لا يهدف ولا يمكن ان يهدف في حال من الاحوال لضرب مسيرة الاعلام الاردني الحر او النيل من حرية الاعلام بقدر ما هو يصب في مصلحة الوطن والمواطن ووقف الفوضى التي تسود مهنة الاعلام الالكتروني خاصة وان القانون اقر من مجلس النواب ممثل الشعب الاردني .