جمانه غنيمات تكتب : أعيدوا المؤسسات المستقلة للموازنة العامة

أخبار البلد -  قد تبدو المطالبة بإعادة المؤسسات المستقلة للموازنة العامة صادمة وغير متداولة، في ظل العلاجات السطحية التي اتخذتها الحكومة حيال هذا الملف الذي بات يتحدث فيه القاصي والداني كأحد أسباب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

 

والخطوات التي اتخذتها الحكومة للتخفيف من العبء الذي تلقيه المؤسسات المستقلة على كاهل الاقتصاد غير ناجعة وليست كافية، رغم أن الأرقام الرسمية تكشف أن الحكومة سعت لتقليص حجم نفقات هذه المؤسسات خلال العام الحالي.

 

وتكشف الأرقام الجديدة حول موازنة المؤسسات المستقلة توجها لضبط نفقاتها، وهو توجه طيب يصب في التخفيف من الاختلالات التي تعاني منها. بيد أن الخطة الحكومية لا تكفي لطي ملف المؤسسات المستقلة التي سنبقى نتحدث عنها لسنوات طويلة من دون حلول عميقة وجراحية، لاسيما وأن الأرقام الرسمية تؤكد أن مجموع النفقات للوحدات الحكومية والبالغ عددها 62 وحدة حكومية للعام 2011 انخفض بنحو 290 مليون دينار عن مستواه المقدر في العام 2010 ليبلغ 1696 مليون دينار بانخفاض بنسبة 14.6 %.

 

ومحدودية العلاج أيضا يكشفها عدد هذه المؤسسات الذي زاد في موازنة العام 2011 بمؤسسة واحدة مقارنة بالعام 2010، ولم يتراجع عددها بحسب ما هو مخطط له، رغم أن الحكومة أعلنت في مرحلة ما نواياها لتقليص عددها من خلال الدمج والإلغاء بحوالي 12 مؤسسة. مشاكل هذه المؤسسات لا تقتصر على حجم موازنتها، بل تتعداها إلى فشلها في القيام بالدور المنوط بها والمتمثل بتجاوز البيروقراطية والروتين والترهل الذي يعاني منه القطاع العام.

 

والطامة الكبرى أن هذه المؤسسات بأنظمتها الخاصة وقوانينها أضافت أعباء وعقدا إلى الموجودة أصلا، وصارت جزءا لا يتجزأ من القطاع العام المحمل بالأعباء والذي يعاني من مشاكل لا تعد ولا تحصى. مهمة الحكومة اليوم لا تبدو سهلة وهينة بعد أن صارت كل مؤسسة من هذه المؤسسات منطقة نفوذ، بل محمية، لا يقدر أحد على تغييرها، من أجل تحقيق الإصلاح المنشود في هذا المجال، وبات من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على الحكومات اتخاذ قرارات نتيجة الضغوط التي تمارس من قبل القائمين على هذه المؤسسات. وليس افتراء إن قلنا إن الوزراء المسؤولين عن بعض هذه المؤسسات لا يملكون أية صلاحيات في تصويب أوضاعها، رغم أنهم في معظم الأحيان رؤساء مجالس هذه المؤسسات، إلا أن الاستقلالية التي تتمتع بها تضعف مواقف الوزراء وتقلل من نفوذهم تجاه هذه المؤسسات. وبقاء التعامل مع مشكلة المؤسسات المستقلة من منطلق الخوف أحيانا والخضوع للواسطة أحيانا أخرى، سيبقي هذه المشكلة من دون حلول حقيقية، وسنظل ندور في حلقة مفرغة من الكلام المجاني حول ضرورة إصلاح شأن هذه المؤسسات. طي أي ملف يقتضي اتخاذ قرار إصلاحي شجاع ينص على إعادة إدراج موازنة هذه المؤسسات ضمن قانون الموازنة العامة، حتى تخضع بحق للإصلاحات المطلوبة.

 

هذا المقترح قد يلقى كثيرا من الاعتراضات، وقد يقول البعض إن قوانين هذه المؤسسات تنص على استقلاليتها، إلا أن الرد على هذه المبررات يكمن في أننا نحن من نضع القوانين ونحن أيضا من يلغيها. في الفترة الماضية وحينما سعت الحكومة لإعادة ترتيب أولوياتها من أجل تمويل قراراتها الأخيرة والمقدرة بحوالي 320 مليون دينار، لجأت إلى تخفيض الإنفاق الرأسمالي للحكومة المركزية، فيما بقيت موازنات المؤسسات المستقلة على حالها وكأنها مؤسسات في دولة أخرى، أو دول داخل الدولة. إعادة إدراج موازنة المؤسسات المستقلة في قانون الموازنة العامة تشبه عودة الولد العاقّ إلى أبيه.