معان ...هيبة الدولة


أكثر ما ينبغي التحذير منه بقوة أن تلجأ الحكومة إلى العصا الأمنية الغليظة، والأسلوب الخشن في فرض هيبة الدولة، أن نسلك
 المدخل الأمني في حل مشكلة معان، كما حدث ذلك مرات عديدة في أوقات سابقة، ولم تؤد إلا إلى مزيد من التوتر والاحتقان، الذي يشكل وقوداً للانفجار، ويمثل طريقاً لتطوير الأزمة واستفحالها وانتقالها إلى مدن وأماكن أخرى بطريقة لا تحمد عقباها!
معان درة الجنوب، وكانت دائماً تمثل ضمير الأردنيين الأصيل وتمثل المجس الحاسم لروح الشعب الأردني وتطلعاته لغد أردني مشرق مفعم بالأمل والطموح نحو الإصلاح الوطني الشامل الذي يجد الشباب منه ضالتهم المنشودة في المشاركة الحقيقية الفاعلة في عملية البناء التنموي للوطن والدولة والمؤسسات.

الحكومة بحاجة إلى تفهم الحقيقة، والوقوف عليها عن كثب والاستماع إلى حديث الأهالي من شيب وشباب، ومحاورتهم عن قرب، بعقل مفتوح، ونفسية هادئة وصدر منشرح، وإظهار كل معالم الجدية والعزم والتصميم على حل المشكلة، من خلال البحث المشترك والحوارات الجادة مع العقلاء وأصحاب الرأي من كل الشرائح ومن كل الأعمار، وسوف يتم العثور على الحل بكل تأكيد، بعيداً عن أساليب الاعتقال والمطاردة والقنابل الدخانية والمسيلة للدموع.
مشكلة معان التي تسير نحو التفاقم، تمثل ظاهرة أردنية بامتياز يمكن أن تتكرر في المحافظات والمدن الأخرى، إذا بقيت الحكومة تكرر الوصفات السابقة، وإذا بقيت الحكومة تستنسخ التجارب السابقة الفاشلة في إحداث التنمية الحقيقية في المحافظات والأطراف، وإذا بقيت عاجزة عن إحداث فرص العمل التي تستوعب الشباب والخريجين الجدد، وغير قادرة على تقليص نسب البطالة، ولم تبادر إلى توزيع عوائد التنمية بعدالة على المناطق المهمشة التي لم تشهد تطوراً ملموساً في إيجاد مشاريع التشغيل، وبقيت عبارة عن بيئة طاردة للكفاءات، وتعاني من هجرة أبنائها الباحثين عن الفرص ولقمة العيش.

محافظة معان نموذج للمشاريع الفاشلة، مثل مصنع الزجاج ومصنع السيارات، التي تم اتخاذ قرارات رسمية بإنشائها قبل سنوات طوال، فماذا حل بها، وما هي آخر تطوراتها ومآلاتها؟ والإجابة معروفة عند أهالي معان، وعند أصحاب القرار بكل تأكيد، فهذه المشاريع فشلت فشلاً ذريعاً، وكبدت الخزينة خسائر كبيرة، ولم تستطع الوقوف على قدميها، ولم تحقق شيئاً من أهدافها وغاياتها، بل على النقيض تماماً.
في الأمس القريب تمت استضافة ملتقى "دافوس" الاقتصادي في فنادق البحر الميت، وأنفق الأردن أموالاً طائلة لتغطية تكاليف هذه التظاهرة الضخمة، حيث قدر عدد الضيوف بـ (950) شخصاً، وما يحتاجونه من مبيت وطعام وترفيه، وغير ذلك من مصاريف منظورة وغير منظورة، وتكررت هذه الاحتفالية لخمس عشرة مرة، ومع ذلك ما زالت محافظات المملكة بلا مصانع ولا شركات، ولا مشاريع إنتاجية، وتنمية معطلة، وأفواج الخريجين تزيد من مساحة البطالة، وتزيد من أعداد الشباب الغاضبين والناقمين الذين يشعرون بعدم القدرة على مواجهة المستقبل، في ظل زيادة تكاليف المعيشة بطريقة باهظة وخارقة تفوق قدرة الأردنيين ودخلهم المتدني.

يجب إعادة النظر في مفهوم هيبة الدولة، ويجب الاستفادة من تجارب الربيع العربي في التعامل مع هذا المصطلح، الذي أصبح غطاءً للعجز المتراكم المتمثل بعدم القدرة على تحقيق طموحات الشباب والأجيال الجديدة في التمتع بالحرية، والكرامة، والإحساس بتحقيق الذات عن طريق البحث عن صيغ المشاركة والتعاون، وإيجاد الأطر القادرة على استيعاب هذا الكم الهائل من أعداد الخريجين الذين يزيد عددهم على (100) ألف سنوياً.
هيبة الدولة تصنع ولا تفرض، وتتم صناعتها من خلال القدرة على حل المشاكل الاقتصادية والسياسية والتربوية والتعليمية، ومن خلال احترام حرية المواطنين وصيانة كرامتهم والخضوع لإرادة الشعب الجمعية، التي تعلو إرادة الأشخاص والأحزاب والجماعات، من خلال الأفعال وليس الأقوال، ومن خلال التشريعات والأنظمة، وليس من خلال الأعطيات والهبات وشراء الولاءات.

وفي الختام، نوصي الحكومة بتشكيل فريق حكومي، يقوم بزيارة فورية لمدينة معان وما حولها، والاستماع إلى آراء الأهالي ووجهات نظرهم في الحلول المقترحة، ومن ثم وضع تصور وخطة لمواجهة الأزمة بالتعاون مع الشخصيات الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني، من دون ابطاء، وقبل اللجوء إلى العصا الأمنية والأمن الخشن.