ماذا يحدث في معان؟ وماذا يراد لمعان؟


إلى الشرفاء في هذا الوطن..
عندما بدأت انتفاضة نيسان المجيدة بدأت من معان، ثم انتقلت تدريجيا لباقي المحافظة من أبناء البادية ثم لبقية المحافظات الأردنية.
واليوم وفي غمار الأحداث الخارجية المتوالية في العالم العربي والداخلية في الأردن تأتي حادثة جامعة الحسين بفتنة لا أشك أبدا بأنّها مدبرة ومتقنة لتُحدث شرخا وجرحا في العلاقة بين أبناء المحافظة ولتتطور بشكل غير مسبوق وغير منطقي أبدا على الأقل بالنسبة لأهالي المحافظة وليس لمدبريها الذين أرادوها كذلك تسري كالنار في الهشيم، وتترك لأيام دون أيّ تدخل رسمي من الدولة الأردنية والغاية ازدياد رقعة النار ومزيد من القتلى بين الأهل ثم تزداد مساحة التوتر دون أيّ مبرر لتشمل كافة قرى وألوية المحافظة، بل وتصل إلى مناطق البادية في محافظة العقبة.

من يراقب الأوضاع عن كثب لا يشك أبدا بوجود غرفة عمليات لتحريك أصابع الفتنة ونشر الإشاعات المصاحب لقطع كل الطرق المؤدية من وإلى معان.
وقبل ذلك وبُعيد أحداث جامعة الحسين يصدر بيان غريب عن كل تقاليدنا وأعرافنا، بل وعن ماضينا أيضا، بيان يدعو صراحة إلى إهدار دم كل معاني بدون استثناء ويوقع عليه كبار القوم من أبناء العمومة وممّن يحسبون على الدولة، علما بأنّ من بين قتلى الجامعة أيضا أبناء لمعان.

ومع كل هذا التأزيم وغياب الدولة المقصود بقي أبناء معان يلتزمون الهدوء والصبر، والحلم كان سيد الموقف وهم يدركون عمق العلاقة والنسب والجيرة والدين مع عشائر المحافظة، وأنّ ما يحدث سحابة صيف محاولين قدر المستطاع تفويت الفرصة على من يريد إيقاع الفتنة بين الأهل والدخول في نفق مظلم لا ينجو منه أحد، رغم تعطل مصالح كل أبناء المدينة بعد قطع الطرق وحصار المدينة لعدة أيام من خلال وضع الحواجز ونقاط التفتيش المسلحة والبحث على الهوية عن كل معاني وسط غياب الدولة الغريب وكافة أجهزتها الأمنية.

لكن ما أن هدأت النفوس قليلا وتوجت جهود الخيرين من عشائر الأردن، وزيارة وزير الداخلية المتأخرة جدا جدا للمحافظة حتى بدأت الحياة في المحافظة تعود للهدوء شيئا فشيئا.
وبعد يوم واحد من استئناف الدراسة في جامعة الحسين يفاجأ أبناء معان بإصابة رجل ستيني برصاصة أثناء عمله في مشروع الديسة الواقع في البادية الجنوبية، وبين روايات عديدة عن تعمُّد إطلاق النار على ابن معان سائق الصهريج الستيني، وبين رواية أنّ إصابته لم تكن مقصودة ومتعمدة، بقي الحلم في معان سيدا للموقف أيضا.

وعلى أثر ذلك تم عقد اجتماع حاشد لأبناء معان وهم يعون تماما أنّ في الأمر ريبة ومؤامرة لا تريد الهدوء وعودة الأمور إلى سابق عهدها في المحافظة، وأنّ المسألة تتجاوز بكثير المحافظة، حيث استذكروا حملة 2002 الظالمة على معان، والتي سبقت بشهور قليلة جدا احتلال أمريكا للعراق، لذا فقد قرّروا وفي سابقة مهمّة من تاريخ الأردن إرسال رسالة مباشرة للملك بعد يأسهم من الحكومة وأجهزتها المختلفة، يعلنون فيها أنّه في حال لم تحلّ مشاكل المحافظة بشكل جذري وفوري فإنّهم سيلجؤون إلى عصيان مدني شامل.

لم تمضِ ساعات على هذا البيان حتى سمع أهالي معان بخبر مقتل اثنين من أبنائهم وإصابة ثالث بجروح خطيرة في منطقة الراشدية في محافظة العقبة على يد قوات الدرك، حيث جاء في بيان الأمن العام أنّه تم إطلاق النار عليهم على أثر مطاردتهم وبعد أن بادلوهم إطلاق النار، ممّا نتج عنه مقتل اثنين وإصابة الثالث بجروح خطيرة.
مع ذلك ولعدم وضوح الرؤية إلاّ أنّ أهالي مدينة معان بالعموم صدّقوا تلك الرواية.
ووقعت احتجاجات محدودة داخل المدينة في نفس الليلة من ذوي المقتولين وأقاربهم بعد سماعهم عن مقتل أبنائهم.

تدخّلت قوات الدرك في اليوم الأول، حيث أطلقت الغاز المسيّل للدموع على بعض التجمعات والأحياء السكنية، إلى أن هدأت الأمور وانتهت مظاهر الغضب دون وقوع إصابات تذكر.
وفي مساء اليوم التالي أجمع كل أهالي معان على مبالغة قوات الدرك التي انتشرت بكثافة في المدينة رغم محدودية مظاهر الاحتجاج في إغراق سماء معان بالغاز المسيل للدموع دون مبرر وفي أحياء ليست فيها أيّ مظاهر للاحتجاج، ممّا أدى لحالات اختناق واسعة بين أبناء المدينة من أطفال ونساء، الأمر الذي فسّره أهالي معان بأنّه عقاب جماعي لكل أبناء المدينة واستفزاز واضح ومقصود كي يؤدي إلى مزيد من الاحتقان والغضب وردود الفعل لتحقيق أهداف غير معلنة كمبرر لحملة أمنية شاملة لا تبتعد كثيرا عن حملة 2002 التي ما زالت في ذاكرة معان والتي سبقت احتلال العراق، وهو ما وضّحته سابقا.
ثم والأخطر في هذا الموضوع هو نشر فيديو في نفس اليوم وبشكل مقصود على صفحات الفيس بوك يظهر جثث قتلى أبناء معان في منطقة وعرة من الراشدية ومجموعة من أبناء الراشدية تحيط بهم وهم يكيلون السباب والشتائم والإهانات للقتلى وأهالي معان دون أيّ احترام لحرمة الميت مبتعدين عن أخلاق المسلمين قبل الأردنيين.

وهو فيديو مستفز للمشاعر بكل ما تعنيه الكلمة وغريب جدا في محتواه وتوقيت نشره وسط حالة التوتر السائدة في المحافظة.
الغريب في هذا الفيديو هو عدم وجود أيّ أثر لقوات الأمن والدرك التي قالت في بيانها أنّها هي من قتلهم أثناء تبادل إطلاق النار معهم، وهو ما يترك علامات استفهام كبيرة على حقيقة ما جاء بهذا الفيديو والبيان الصادر من الأمن العام.
يبقى الشاهد على ما حصل هو الشخص الثالث المصاب والراقد الآن في إحدى المستشفيات في عمان للعلاج، حيث كان هو الناجي الوحيد من بين الثلاثة الذين طاردتهم قوات الأمن والدرك ليروي القصة كما حصلت، حيث يتساءل أبناء معان عن سبب ترك الجثث والشخص المصاب في نفس المكان من قبل قوات الأمن وتركهم بهذا الشكل كما ظهر بالفيديو المصور.
وأخيرا وليس آخرا، لا يوجد ما يدعو للشك بأنّ ما يحدث في محافظة معان ليس محض صدفة وأنّه يحمل في كل مراحله علامات ومؤشرات على أنّ هناك أصابع خبيثة وقوية تعمل بإحكام شديد على تنفيذ أجندة كبيرة ضحيتها معان المدينة والمحافظة، ترسم فيها معالم مرحلة قادمة وجديدة لا تبشّر بأيّ خير، فهل يعي العقلاء من أبناء المحافظة وأبناء الأردن ما يدبّر لهم بليل ويفوتوا الفرصة على الآثمين الغادرين المتآمرين على هذا الوطن بشكل عام ومحافظة معان بشكل خاص.
rawwad2010@yahoo.com