«أعطونا الطفولة» نداء مقدس أطلقته الطفلة ريمي بندلي قبل سنوات طويلة ماضية، ليصبح أيقونة لا تنسى، ومقطع أغنية لا تموت.. فمن بين عديد الأغنيات الأخرى التي غنتها الطفلة الفنانة المنحدرة من عائلة فنية تعرف باسم عائلة بندلي، وهي عائلة حققت انتشاراً عربياً وعالمياً لافتاً في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، قبل أن يطويها النسيان كما طوى تجارب عديدة أخرى، شكّلت «أعطونا الطفولة» التي تغني ريمي بعض مقاطعها بأكثر من لغة حيّة، الأثر الذي يبقى محفوراً بذاكرة من سمعوا الأغنية أيام إطلاقها.. وشاهدوها على الشاشات.. فالشاشات أيامها لم تكن بالمئات كما أيامنا هذه.. ولم تكن الفضائيات قد أصبح عددها مثل الهَمِّ على القلب.. فعبر شاشة التلفزيون الأردني والسوري واللبناني، وجميعها تقريباً كانت شاشات رسمية ترعاها الدولة، وتشرف على محتواها، وبعض القنوات العربية الأردنية الأخرى، تواصَلَ بث الأغنية لزمن ليس بالقليل، وما جعل الأغنية أكثر تأثيراً ونفاذاً لقلوب الناس أن التي أنشدت مقاطعها ولونت ألحانها طفلة صغيرة، وكما لو أنها تتكلم بلسان حال الأطفال جميعهم في أربع جهات الأرض.. أعطونا الطفولة.. أعطونا السلام..

واليوم.. وقد أصبح السلام حلم العالم أجمع.. والطفولة عنوان المستقبل، والاهتمام بها والحدب عليها ورعاية أحلامها وتطلعاتها وهواجسها مقياس تحضر أساسيّ.. فإن صرخة ريمي بندلي قبل كل تلك الأعوام، لا تزال حاضرة متوقدة مشروعة، لم يفتر عزمها، ولم يخبُ صداها.. «جينا نعيّدكن.. بالعيد بنسألكن: ليش ما في عنا لا أعياد ولا زينة؟ يا عالم أرضي محروءة أرضي حرية مسروءة.. سمانا عم تحلم.. عم تسأل الأيام: وين الشمس الحلوة ورفوف الحمام؟ يا عالم أرضي محروءة أرضي حرية مسروءة.. أرضي صغيرة متر صغير أعطوها السلام وردّولا الطفولة.. أعطونا الطفولة.. أعطونا الطفولة.. أعطونا السلام».

ما يبدو جلياً وسط كل هذا الدمار حولنا، ووسط كل هذا الاحتراب المؤلم المأساوي اللعين، أن الطفولة ستغدو مما لا شك فيه هي الخاسر الأكبر عند انجلاء غبار المعارك.. وعودة الكبار إلى عقولهم ورشدهم.. عندها لن ينفع ندم ولن يعود الصغار صغاراً.. من تيتّم أو تلطّم أو تشرّد أو فقد الحضن والدفء والأمان والسلام.. سيصاب كثير من الأطفال بكوابيس ضارية تفزع لحظات هنائهم وراحة بالهم.. سيصبح الخوف والشك والاضطراب رفاقهم الجدد.. سيفقدون الثقة بمن كانوا أكثر الناس أهلاً لها.. سيجوعون ويسألون الناس مكرهين جائعين فاقدين لمعنى ألا يتسوّل الإنسان.. وأن يحيا عزيزاً كريماً حرّاً مصاناً في بلده.. سيجوع الصغار ويُركلون ويقهرون ويعذّبون.. إن لم يتوقف الكبار هنيهة.. ويتريثوا قليلاً قبل أن يواصلوا صراعاتهم التي لا تنتهي.. ويتأملوا ماذا فعلوا من أجل مستقبل مشرقٍ لأبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم ولدوا هنا ولم يولدوا هناك.. هؤلاء أولادنا.. أكبادنا التي تمشي على الأرض.. فلا تحرموها طفولتها...