ماذا حدث في الجنوب؟



ﻣﻨﺬ اﻟﺘﺄﺳﯿﺲ، واﻟﺬي ﺗﺮاﻓﻖ ﻣﻊ اﻟﺴﻌﻲ إﻟﻰ ﺗﻮطﯿﻦ اﻟﺒﺪو، ظهر اﻟﺪور اﻟﺮﻋﻮي ﻟﻠﺪوﻟﺔ، واﻟﺘﻲ ﺑﻨﺖ اﻟﻌﻼﻗﺔ بينها
وﺑﯿﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﺑﺎﻟﻨﺘﯿﺠﺔ، ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣﺼﺎﻟﺢ ﻣﺘﺒﺎدﻟﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ؛ ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ الهبات واﻷﻋﻄﯿﺎت ﻣﻦ
"اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﺮﻋﻮﻳﺔ"، ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺘﺰام اﻟﻨﺎس ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺬي ﺗﻀﻌﻪ وﺗﻄﺒﻘﻪ.

ﺑﻌﺪ ﻋﻘﻮد ﻣﻦ ﻋﻤﺮ اﻟﺪوﻟﺔ وﺗﻜﺸﻒ ﺳﻠﺒﯿﺎت اﻟﻨﻤﻂ اﻟﺮﻋﻮي، ﺳﻌﺖ اﻟﺪوﻟﺔ إﻟﻰ ﺗﻐﯿﯿﺮ اﻟﻨﮫﺞ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻘﺎﺋﻢ.
ﻓﺒﺪأﻧﺎ ﻧﺸﮫﺪ ﺗﻐﯿﺮا ﺟﺬرﻳﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ، أﺑﺮزه ﺗﻮﻗﻒ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻷﻋﻄﯿﺎت واﻟﻤﻨﺎﻓﻊ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ،
إﻳﻤﺎﻧﺎ ﺑﺄن اﻟﻤﻄﻠﻮب ھﻮ أﺳﻠﻮب إدارة رﻛﯿﺰﺗﻪ اﻹﻧﺘﺎﺟﯿﺔ واﻟﻌﻤﻞ.

ﻣﻀﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻓﻲ ﺗﻄﺒﯿﻖ رؤﻳﺘﮫﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪة. ﻟﻜﻦ ﻓﺸﻠﮫﺎ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﻋﺠﺰھﺎ ﻋﻦ ﺗﻮﻓﯿﺮ ﺑﺪﻳﻞ ﻟﻤﺼﺎدر اﻟﻌﯿﺶ
ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎطﻖ اﻟﺘﻲ طﺎﻟﻤﺎ اﻋﺘﻤﺪت ﻋﻠﻰ اﻟﺪوﻟﺔ، وﺗﺤﺪﻳﺪا ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب.

اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﺷﻌﺮت ﺑﺎﻟﺨﺬﻻن وﺑﺎﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻨﮫﺎ، وﻟﻢ ﻳﻌﺪ ارﺗﺒﺎطﮫﺎ وﺛﯿﻘﺎ ﺑﺎﻟﺪوﻟﺔ ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ،
وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ أن ﺗﺒﺨﺮت اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ، وﻟﻢ ﻳﻌﺪ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﺳﯿﺎدة اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﻌﺾ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎطﻖ، طﺎﻟﻤﺎ أن
اﻟﻌﺸﯿﺮة واﻻﻧﺘﻤﺎء اﻟﻀﯿﻖ أﻗﺪر ﻋﻠﻰ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻣﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﻮاطﻦ وﺣﻘﻮﻗﻪ ھﻨﺎك، ﻣﻦ اﻟﺠﮫﺎت اﻟﻤﺴﺆوﻟﺔ.
اﻟﺠﻨﻮب ﺻﺤﺎ ﻓﺠﺄة ﻟﯿﺠﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﺪون ﻣﻌﯿﻦ وﻻ ﺣﺎٍم، اﻷﻣﺮ اﻟﺬي اﻧﻌﻜﺲ، وﺑﺸﻜﻞ ﺗﺮاﻛﻤﻲ، ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ
ﺗﻠﻚ اﻟﺒﻘﻌﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ، وﻟﯿﺼﺒﺢ اﻟﺒﺪﻳﻞ ﺗﺠﺎرة ﻣﺨﺪرات وأﺳﻠﺤﺔ، وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﻏﺎﺿﺒﺔ ﻻ ﺗﺠﺪ ﻣﻦ
ﻳﻨﺼﻔﮫﺎ وﻳﻘﻒ ﻓﻲ ﺻﻔﮫﺎ، ﺑﻌﺪ أن أدرﻛﺖ ﺗﺨﻠﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻨﮫﺎ وﻋﻦ أﺑﻨﺎﺋﮫﺎ، ﻣﺎ دﻓﻌﮫﺎ إﻟﻰ ﺳﻠﻮك طﺮﻳﻖ أﺧﺮى
ﺗﻌﻮﺿﮫﺎ ﻋﻦ ﺧﺴﺎﺋﺮھﺎ.

وﻟﻢ ﻳﺴﻌﻒ اﻟﺠﻨﻮب ﺗﺮاﻛﻢ اﻟﺨﯿﺮات ﻓﻲ أرﺿﻪ، ﺑﺤﯿﺚ ﻳﻜﻮن ﻣﺮﻛﺰا ﺗﻨﻤﻮﻳﺎ ﺣﻘﯿﻘﯿﺎ ﻣﻨﺘﺠﺎ، ﺑﻞ ظﻠﺖ اﻟﺨﻄﻮة ﻣﺘﺄﺧﺮة؛
ﻣﺮة ﺑﺤﺠﺔ أن أھﻞ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻻ ﻳﻘﺒﻠﻮن ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ، وﻣﺮة أﺧﺮى ﺑﺴﺒﺐ ﻓﺸﻞ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎدرات، إذ ﻟﻢ ﻧﺸﮫﺪ
ﻣﺒﺎدرة واﺣﺪة ﺗﻨﺘﺸﻞ اﻟﺠﻨﻮب ﻣﻦ اﻟﺒﺆس اﻟﺬي ظﻞ ﻳﻐﺮق ﻓﯿﻪ ﺣﺘﻰ وﺻﻞ إﻟﻰ ﻣﺎ وﺻﻞ إﻟﯿﻪ.
ﻗﺒﻞ ﻋﻘﻮد، ﻛﺎن اﻟﻘﺎﻧﻮن وﺗﻄﺒﯿﻘﻪ واﺣﺘﺮاﻣﻪ واﻟﺨﻀﻮع ﻟﻪ، واﺣﺘﺮام ھﯿﺒﺔ اﻟﺪوﻟﺔ، ﺟﺰءا ﻣﻦ "اﻻﺗﻔﺎق". ﺑﯿﺪ أن ﺗﺨﻠﻲ
اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻦ دورھﺎ وﺗﻨﺼﻠﮫﺎ ﻣﻦ ذاك "اﻻﺗﻔﺎق"، دﻓﻌﺎ أﺑﻨﺎء ﺗﻠﻚ اﻟﻤﻨﺎطﻖ إﻟﻰ اﻟﺘﺤﻠﻞ ﺑﺪورھﻢ ﻣﻦ اﻟﺘﺰاﻣﺎﺗﮫﻢ؛ ﻓﻠﻢ
ﻳﻌﺪ اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻳﻌﻨﻲ ﻟﮫﻢ ﺷﯿﺌﺎ، وﻻ ﺷﻲء يربطهم ﺑﺎﻟﻤﺮﻛﺰ.

ﺑﺎﻟﻨﺘﯿﺠﺔ، زاد اﻟﻔﺮاق ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ، ﺣﺘﻰ ﻟﻢ ﻳﻌﺪ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﻮن ﻳﻔﻄﻨﻮن ﻟﻮﺟﻮد اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻘﺎﻧﻮن واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت، وأﻟﻐﻮا
ﻣﻦ ﻗﺎﻣﻮﺳﮫﻢ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺳﯿﺎدة اﻟﻘﺎﻧﻮن، ﻓﻲ وﻗﺖ أﺳﺮﻓﺖ ﻓﯿﻪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻓﻲ إھﻤﺎﻟﮫﺎ ﻟﻠﺠﻨﻮب. وھﺎ ھﻲ
اﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺎت ﻣﺴﺘﻤﺮة ﺣﺘﻰ اﻟﻠﺤﻈﺔ ﺑﻀﺮورة اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﺣﺪاث اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ، واﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺎﻟﺴﻮﻳﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ
ﻟﻠﺠﻨﻮب، والهدف ﺗﺠﻔﯿﻒ ﻣﻨﺎﺑﻊ اﻻﻏﺘﺮاب واﻟﺸﻌﻮر بالتهميش واﻟﻔﻘﺮ.

ﺑﻌﺾ أﺑﻨﺎء اﻟﺠﻨﻮب ﻣﺎ ﻳﺰاﻟﻮن ﻳﻈﻨﻮن أن اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻟﻢ ﺗﻔﺖ ﺑﻌﺪ ﻹﻋﺎدة اﻟﺠﻨﻮب إﻟﻰ ﺣﻀﻦ اﻟﻮطﻦ، وﻣﺎ ﻳﺰال ﺻﻮﺗﮫﻢ
ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻣﻄﺎﻟﺒﺎ ﺑﺘﻄﺒﯿﻖ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﻣﺤﺎﺳﺒﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﻦ ﻋﻠﯿﻪ، ﺣﺘﻰ وﺻﻞ اﻷﻣﺮ بهم إﻟﻰ التهديد ﺑﺎﻟﻌﺼﯿﺎن اﻟﻤﺪﻧﻲ ﻓﻲ
ﺣﺎل ﻟﻢ ﺗﻘﻢ اﻷﺟﮫﺰة اﻷﻣﻨﯿﺔ بواجبها ﻟﻨﺎﺣﯿﺔ ﺣﻔﻆ اﻷﻣﻦ واﻟﺴﻠﻢ.
اﻟﻮﺻﻔﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﺳﺮا، وﻻ أﺣﺪ ﻳﻘﻒ ﻓﻲ وﺟﻪ ﺗﻄﺒﯿﻖ اﻟﻘﺎﻧﻮن؛ ﻓﻤﻄﻠﺐ دوﻟﺔ اﻟﻘﺎﻧﻮن واﻟﻤﺆﺳﺴﺎت ﻳﺼﺪر ﻋﻦ ﻛﻞ
ﻋﺎﻗﻞ ﻳﺴﻌﻰ إﻟﻰ إﻧﮫﺎء ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻔﻮﺿﻰ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻮد ﺑﯿﻦ ﺣﯿﻦ وآﺧﺮ ﻧﺘﯿﺠﺔ ﺗﮫﺮب اﻟﺠﮫﺎت اﻟﻤﻌﻨﯿﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺎﺗﮫﺎ.

ﻣﻌﺎن اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ ﻓﻮھﺔ ﺑﺮﻛﺎن، إﺧﻤﺎده ﺑﺤﺎﺟﺔ إﻟﻰ إدراك ﺣﺠﻢ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ھﻨﺎك. ﻓﻤﺼﺪر اﻟﺨﻄﺮ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻋﻠﻰ
اﻷﻣﻦ واﻟﺴﻠﻢ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ ﻟﯿﺲ اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ اﻟﻤﺆطﺮة ﺑﻜﻞ ﺗﻼوﻳﻨﮫﺎ، وإﻧﻤﺎ ھﻮ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﯿﺪ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻌﺮ
ﺑﺎﻻﻏﺘﺮاب ﻓﻲ ﺑﻠﺪھﺎ.