الجيوسي يكتب : لماذا يريد الغرب .. "العراق" قاعاً صفصفا ..؟
محمد شريف الجيوسي
تشتد منذ أشهر العمليات الإرهابية في العراق على نحو مقلق، وتتسم العمليات الإرهابية مجدداً بطابع طائفي مذهبي يريد تدمير العراق أكثر مما يريد فرض إرادة معينة على الدولة أو الإمساك بدفة الحكم ، في حال يشبه إلى حد بعيد ما حدث ويحدث في سورية منذ 26 شهرا ونيف ، من قبل العصابات الإرهابية ، وما نفذته القاعدة على مدى سنوات في العراق من تفجيرات وعمليات انتحارية ومفخخات نفذت على خلفيات طائفية مذهبية وعنصرية، الأمر الذي تسبب في خلق شروخ اجتماعية ودمر الّلُحَم الوطنية والعيش الواحد والقبول المتبادل والمشاعر الواحدة لتستبدل بالشكوك والظنون والكراهية والخوف المتبادل .
ولكن لماذا عاد هذا النوع من العمليات الإرهابية بعد انحسارها فترة ، ومن الذي يقف خلفها ويمولها ولماذا ومن هو المستفيد الأخير من هذا النوع من الإرهاب ؟ وهل ستبقى الدولة العراقية عاجزة عن وضع حدٍ لها ؟
إن كون رئيس الوزراء العراقي المالكي من مفرزات ونتائج الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 ، لا يمنع من ملاحظة أن المالكي أيضاً عمل على تحجيم الطموح الكردي في الانفصال وإعادة العراق الكردي إلى بيت الطاعة والحكومة المركزية ، ولا يمنع من ملاحظة أنه يعمل على إعادة مأسسة العراق بعد سنوات من الدم والتفكك والانفلات الأمني والسياسي ، ولا يمنع من ملاحظة أإن خصوم أومنافسي المالكي هم عملاء مباشرين للأمريكان والغرب وأعداء للعروبة ولسورية ، وهم على قدر كبير من التعصب المذهبي االظلامي وعلى وئام مع مشيخات الخليج وسلاجقة القرن الحادي والعشرين ، فيما هو على قدر معقول من التمايز عن التبعية للغرب والاختلاف ، حيث تتيح علاقاته المتميزة مع طهران هذا الهامش ، وتؤمن له ظهراً يعتمد عليه .
والأهم من كل ما سبق أن العراق في عهد المالكي ، أصبح حلقة الوصل الأهم بين طهران ودمشق وبالتالي حلقة الوصل مع المقاومة اللبنانية وبقايا الفلسطينية . وبموقف العراق يمتنع اتصال تركيا السلجوقية العثمانية مع مشيخات الغاز والكاز كلية ، ويصبح استهدافها لسورية بشكل مباشر استهداف لإيران والعراق وسورية جميعها .
وبالعراق لا يصبح خلاف مشايخ الخليج مع إيران مفهوماً أو مقبولا لدى البعض ، ولا تصبح العلاقات الاستراتيجية السورية الإيرانية خروجاً من دمشق عن ( النص العربي ) الذي هو نص مزيف على أي حال ، أو النص الإسلامي المتخيل ، الذي هو نص وهابي تكفيري إرهابي ظلامي متخلف ..
ومن هنا ورغم أنني أرى أن على حكومة العراق برئاسة المالكي أن تخطو خطوة شجاعة وحكيمة باتجاه الكف عن محاكمة مرحلة ما قبل 2003 ، بكل ما فيها من انجازات وعثرات ، بولغ كثيراً جداً في إبراز أخطائها ، فيما هي خلّفت للعراق والعراقيين والأمتين العربية والإسلامية انجازات كبرى ، وارتكبت أخطاء لا تقلل من قيمة الانجازات .. وإذا كانت ردود الفعل ودوافع المحتل والمستعمر أدت لقوننة اجتثاث تلك المرحلة البعثية ، فليس على خلفية الأخطاء ( فالأخطاء مرغوب ارتكابها عند الغربيين في بلدان العالم الثالث ) ولكن على خلفيات تتصل بالإيجابيات مما لا يعجب الغرب .
أقول أن على حكومة المالكي التسلح بقدر أعلى من الحكمة ، وشطب قانون اجتثاث البعث من قاموسها ـ فالبعث لم يكن ليتعامل على أقل تقدير مع المواطنين العراقيين على أسس مذهبية أو طائفية ـ لتضيف لقوتها قوة ، وتنزع من يد أعدائها سلاح الاتجار بالبعث ، وما يقال عن تعاون بعض قياداته مع بعض مشايخ الخليج .
أقول رغم أنه ينبغي على حكومة المالكي كل ما سبق ، إلا أنه إذا صح تواجد بعض قيادات البعث في غير ما ينبغي أن تكون فيه وما كانت عليه ، فتلك كارثة لا يجوز أن تستمر تحت أي ذريعة أو ضرورة أو مبرر .
ولا بد من التذكير أنه بعد أقل من سنتين من انتهاء حرب ألـ 8 سنوات الإيرانية العراقية المُرّة والمؤسفة ، وعندما كانت الجيوش تُحشد للحرب على العراق ، سعى العراق البعثي لتبادل الأسرى مع إيران وتم تنظيف معتقلات وسجون البلدين من عشرات آلاف الأسرى من الإيرانيين والعراقيين ، ولم يجد العراق غير إيران ليودع لديها معظم طائراته .. لقد كانت فرصة ذهبية ضاعت لمحو آثار حرب ضروس بينهما ، اشتغلت أجهزة الاستخبارات الغربية على إشعالها شهوراً بينهما ( وهنا أتحدث عن معلومة يقينية ) قبل أن يتورطا فيها .
وأتت أحداث ما بعد الحرب على العراق ، لتخرب مصالحة استراتيجية كانت ممكنة .
بكلمات ، إن العراق مستهدف الآن كما كان استهدافه في عهد الراحل صدام حسين ، ليس نتيجة أخطاء ارتكبت هنا أو هناك ، بل ثمرة إيجابيات كبرى تحققت ما لا يعجب الغرب بحال وأهمها الموقف الإيجابي من الدولة الوطنية السورية ضد الإرهاب ومموليه وداعميه ، وفي المقدمة واشنطن وعشيقتها المفضلة ( إسرائيل ) فالحكومة العراقية برئاسة المالكي مطلوب رأسها الآن غربياً ونيتويا وسلجوقيا ومشيخيا ، لأسباب أوردتها في المقدمة.
ويبدو أن الغرب ملّ من العراق ، كما سورية ، فلا هو ارتاح معها في عهد الرئيس صدام ولا في الوقت الراهن ، ما يفسر طبيعة العمليات الإرهابية التي تنفذ ضده ، فالغرب باختصار يريد العراق قاعا صفصفا .
أخال العراق سيتجاوز المؤامرة الغربية السلجوقية المشيخية عليه، في حال شطب بصدق قوانين الاجتثاث وتحالف مع المشمولين بها ، ووسع قواعد تحالفاته الخارجية كما سورية ، ووطد أركان الدولة المنفتحة على مكوناتها غير متيح لأعدائه استثمارها ، وضرب بيد من حديد على الظلاميين والتكفيريين وتعبيرات المشيخات والسلاجقة والغرب في الداخل .
أقول ، أن على نافخي كير الخلافات والعداوات والإحن من ( الطرفين ) التوقف ، المرحلة أكبر من الجميع ، ومواجهة الأخطار المحدقة تحتاج لوحدة الصف والكلمة والموقف ، وأن الانتصار على مستهدفي الأمة سيضيق هوامش الاختلافات ويكرس التفاهمات .
m.sh.jayousi@hotmail.co.uk