مياه الديسي بعد إنهاء العقود الزراعية!


قرار مجلس الوزراء مؤخرا بإنهاء عقود الشركات الزراعية الأربع العاملة في منطقة الديسي المدورة منذ عام 1986 لم يحظ على أهميته القصوى بالاهتمام الذي يستحق، بعد أن وضع حدا للتمادي في مخالفة العقود المبرمة معها قبل أكثر من سبعة وعشرين عاما، مع عدم التزامها بزراعة القمح والشعير والأعلاف وغيرها من الحبوب الأخرى واستثمار عشرات الآلاف من الدونمات التي حصلت عليها بأجرة مئة فلس فقط لا غير للدونم الواحد في زراعات من الخضار والفواكه التي يتم تصديرها إلى الخارج أولا وقبل كل شيء، ومن ثم لتنافس غيرها من إنتاج محلي أثناء الاختناقات التسويقية!
ما أعلنه وزير المياه والري ووزير الزراعة قبل أيام أمام لجنة شؤون الزراعة والمياه في مجلس الأعيان، يدل على مدى ما أحدثته مثل هذه الشركات من هدر لمياه حوض الديسي يتجاوز حدود المعقول، حين بين أنها ضخت منه أكثر من مليار ونصف المليار متر مكعب خلال فترة عملها، هي كافية لعدد سكان الأردن حاليا من مياه الشرب لما يزيد على خمس سنوات.
هذه الكميات الهائلة التي استنزفتها الشركات الزراعية من مياه الديسي ولم تدفع ثمنها المقدر بحوالي خمسة عشر مليون دينار لغاية الآن، من غير المعروف ما هي آثارها الفعلية على حصة الأردن من هذا الحوض المائي غير المتجدد والمشترك مع المملكة العربية السعودية، خصوصا وأن مشروع سحب مياهه ينتظر أن يزود عمان وغيرها من المناطق التي يمر بها بحوالي مئة مليون متر مكعب سنويا اعتبارا من منتصف شهر تموز القادم على الأبواب.
قرار إنهاء العقود الزراعية يبدو أنه ما كان ليتخذ بعد مماطلات عديدة على مدار السنوات الماضية، لولا الاشتراطات التي نصت عليها الاتفاقية مع الشركة التركية المنفذة لمشروع مياه الديسي، لأن وقفها عن العمل سيوفر ما يقارب ستين مليون متر مكعب من المياه سنويا، إنما يبقى الأهم هو التطبيق على أرض الواقع بعد أن خوّل مجلس الوزراء وزارة المياه والري بالتوصل إلى الآليات الملائمة لتنفيذ كل ما يتعلق به، وهذا ما قد يعرضه إلى محاولات لاعاقته من قبل الشركات التي ترى أنها متضررة منه وستبذل قصارى جهدها من أجل النجاح في مساعيها التي كانت تتكلل بالنجاح على مدار سنوات طوال.
التجربة المرة التي استهلكت ما يقدر بالمليارات المكعبة من مياه الديسي في بلد يعتبر الأفقر مائيا بين دول العالم عن طريق زراعات ليس لها الأولوية في شيء، مع استثمار مساحات شاسعة من أملاك الدولة دون أي مقابل في حقيقة الأمر، يفترض أن تعطي درسا للحكومات الأردنية المتعاقبة في أن تتأنى في إبرام عقود مجحفة بحق الصالح العام، تسمح باستغلال خيرات البلاد التي ضاع الكثير من ثرواتها من أجل منفعة حفنة من المستفيدين!