الرقابة بين التعسف والتنظيم


بحرص وثقة اختط الاردن نهجا فاصلا في التحديث والتطوير للقطاعات الاقتصادية منذ سنوات، وتمثل هذا النهج في تشكيل هيئات الرقابة لمعظم القطاعات بتشارك بين القطاعين الحكومي والخاص، ومن الامثلة على ذلك هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، وهيئة الاوراق المالية، وهيئة تنظيم قطاع الطاقة، والنقل البري ... والقائمة طويلة للهيئات التي تم تشكيلها، الا ان معظم هذه الهيئات تحولت الى شكل من اشكال الاعباء المالية والادارية، حيث تضخم عددها واصبحت موازناتها السنوية تشكل ثلث الموازنة العامة للدولة، بما يحمله من تكاليف وتنازع الصلاحيات والمرجعيات والدخول في تضارب المصالح بشكل او بآخر، وتمادي عدد من هذه الهيئات على العمل والمشتغلين في القطاع بحجج المخالفات والتجاوزات التي اصبحت تشكل مخاوف حقيقية امام المستثمرين والمشتغلين في هذا القطاع او ذاك.

هناك قناعة راسخة ان عملية التطوير والتحديث الاقتصادي وبلوغ الانفتاح المتوازن تحتاج لرقابة مسؤولة وتعديل المسار بين الفينة والاخرى، وكلما اقتضت الحاجة لذلك، الا ان الظروف الاقتصادية والاستثمارية الصعبة تتطلب تعاون هيئات الرقابة والتنظيم والابتعاد عن ايقاع الغرامات كلما كان ذلك يسيرا، فالغرامات وتغليظ العقوبات تؤدي الى نتائج عكسية قد تحبط المستثمرين والمشتغلين في القطاع، وهذا يصدق الى حد كبير حيال ما يجري في سوق رأس المال والسوق الثانوية 

( بورصة عمان).

سوق الاوراق المالية تتكون من شركات مدرجة اسهمها للتداول في السوق، والمتعاملين ( مستثمرين ومضاربين) وشركات الوساطة المالية، وهذه مجتمعة تخضع لقانون الاورق المالية والانظمة النافذة، وتقوم هيئة الاوراق المالية، وادارة بورصة عمان، ومركز ايداع الاوراق المالية كل بدوره المرسوم بما يعزز بيئة الاستثمار في سوق الاسهم، ويبث الاطمئنان والعدالة في السوق، وكلما ارتفعت احجام التدول في بورصة عمان ترتفع ايرادات هيئة الاوراق المالية والادارات الاخرى، اي ان شركات الوساطة والشركات المدرجة اسهمها والمتعاملين هم من يدفع رواتب مدراء وموظفي هيئة الاوراق المالية وادارة بورصة عمان مركز ايداع الاوراق المالية، وغالبا ما تحول هيئة الاوراق المالية ما يزيد من هذه الايرادات الى الخزينة، اي بشكل اوضح ان العناصر الرئيسة في سوق الاوراق المالية يجب ان تشجع وتحترم بعيدا عن التعسف والتعنيف الذي يلمسه المراقب بين الحين والآخر مع تغليظ العقوبات بدون اسباب حقيقية حتى يخال المرء ان قسما او نسبة من هذه المخالفات يستفيد منها موظفو البورصة او هيئة الاوراق المالية على شكل (بونص).

وجود عدد من الهيئات المستقلة لابد منها وان هيئات اخرى تجاوزها الزمن، اما الهيئات الضرورية عليها ان تعود الى المربع الاول لحماية وتطوير القطاع والاقتصاد بعيدا عن التعسف ... ونبتعد عن بيت شعر للمتنبي عندما قال ...( كُلّمَا أنْبَتَ الزّمَانُ قَنَاةً...رَكّبَ المَرْءُ في القَنَاةِ سِنَانَا).