المغامرة الأردنيه في أسيا 2011: ماذا تعلمنا ؟

 

بعد خالص التحية...

 

فلقد استمتعت كثيرا بالبطولة الآسيويه - حتى لحظة خروج منتخبنا على الأقل - و اثلج صدري تلاحم الأخوة هنا في المنتدى على اختلاف آرائهم في ما حصل... و قد تريثت بضعة أيام قبل ان أسأل نفسي ماذا تعلمنا من مغامرتنا الشيقة في الدوحة 2011....؟

 

 

 

عن الجمهور:

 

جمهورنا متحد خلف المنتخب رغم كل النقاشات التي دارت قبل و أثناء و بعد البطولة. المنتخب في رحلته حظي بمتابعة مركزة طغت على الكثير من الأحداث السياسية التي تلم بالمنطقة و العالم بل و بالبلد بالذات... الأردنيون شغوفون بالكرة و بمنتخبهم و جمهورهم حالة رائعة في البطولة.

 

 

 

عن الكرة الأردنية بشكل عام:

 

كرتنا تعج بالمواهب و يميزها الأصرار على الانجاز رغم تواضع الإمكانات. اذا تحسنت البنية التحتية و التخطيط بعيد الأمد ستشهد كرتنا نهضة ثابته.

 

 

 

عن عدنان حمد:

 

اعتقد انني "بدأت افهم" هذا الرجل الآن...

 

عدنان حمد مدرب كفؤ ذو شخصية قوية و قد تكشف لي اسلوبه بعد البطولة و اعتقد انني اقتربت من الاجابة على السؤال الذي اعياني طويلا... لماذا لا يضم المدرب لاعبا بوزن رأفت علي للفريق...؟

 

خصلة حمد التي ظهرت في البطولة هي مصدر قوته و هي مقتله في ذات الوقت... الرجل قيادي قوي الشخصية يريد فريقا يسيّره كما يريد... يريد جنودا يحركهم بالملليمتر كما يرسم أدوارهم و لا يقبل مكانا للتفرد الشخصي...

 

يظهر هذا جليا بالنظر الى التشكيلة: حمد اقتنع بمجموعة معينه قولبها كما يشاء تماما... و هذا يفسر اعتماده المتكرر على أسماء بعينها... و قد جاء رهانه صحيحا في اكثر من موقع:

 

- حاتم عقل: دار الشك حول مستواه لأنه لم يشارك ناديه كثيرا لكنه ابدع مع اليابان ثم أصيب.

 

- بشار بني ياسين: كان استدعاؤه مفاجأه لكنه كان نجم الفريق بعد عامر شفيع.

 

- باسم فتحي: أخطاؤه مع الوحدات بائنه لكنه مع المنتخب شديد الانضباط و هنا يظهر أثر حمد.

 

بالمقابل خانه التوفيق في مواضع أخرى أهمها عبد الله ذيب الذي لم يكن في مستوى التشكيلة أبدا لكن حمد أصر عليه... حتى في مباراة أوزبكستان بدأ مؤيد لكن عبدالله شارك في أصعب أوقات المباراة و أضاع أهم الفرص... بينما لم يأخذ الدردور الفرصة أبدا...

 

من الصعب جدا ان يدخل او يخرج لاعب معين من "منظومة حمد"... و لذا تراه و قد حدد خيارته بيده... اذ يؤخذ عليه انه سافر ثم شارك في البطولة بواحد و عشرين لاعبا جاهزا بدل ثلاثة و عشرين... نعم كان بالإمكان استبدال النواطير و انس بني ياسين قبل بدء المنافسات لكن حمد بطيء في أخذ هكذا قرارات... متردد في تغير كتيبته التي يحب...

 

رأفت لاعب قيادي ذو بصمة واضحة و كاريزما عاليه و هو مؤثر على زملائه ولا أجد حتى اللحظة سببا مقنعا لعدم ضمه الا انه يهدد سلطة حمد على "المنظومة"... في فريق حمد لا مجال "للعزف المنفرد خارج النص المكتوب" و هذا الأمر ظهر جليا في أداء منتخبنا (شديد الانضباط فقير الإبداع)... حتى ان اول بادرة من حسونه لفرض هيبته على الفريق قابلها قرار من حمد باستبعاد كابتن المنتخب في وقت حرج... ساعده في ذلك ايقاف اللاعب و تراجع مستواه... اي ان حمد في حالة حسونه اتخذ قرارا صعبا لكنه محسوب بدقه... حمد لا يريد دماغا في الملعب بل جنودا ينفذون التعليمات بحذافيرها... و حسونه حاد قليلا عن هذا التعريف فخسر مكانه... اما رأفت فلا يمكن ان ينطبق هذا على روحة المتوثبة و عزفه الفردي العبقري....

 

هذة نقطة قوة حمد و نقطة ضعفه ايضا... هو ابعد رأفت لأنه خاف على "فرقته" من موهبه رأفت الفذه... و يؤخذ عليه انه لم يطوّع ذلك الغزال الشارد رائع الجمال في "قطيعه الخاص"... حمد حسبها تماما هكذا... فريق منضبط بلا نجوم أفضل من فريق يقوده لاعب عبقري لا يمكن لجمه... عبقريه رأفت لم يستوعبها قالب حمد... و هذه نقطة تبقى على حمد و ليست له... و ان كانت كتيبته قد ابلت حسنا جدا...

 

بل ان حمد اعتمد على الكثير من كبار السن (ناظروا اسماء المخضرمين: بشار، حاتم، ابو هشهش، عامر ذيب و طبعا شفيع) و قد تكون مغامرته الحقيقية الوحيده هي سليمان السلمان... ذلك اللاعب المقاتل التي تفوق همته قدراته بأضعاف... و اعتقد ان حمد كان مكرها على هذه المغامرة في مركز الظهير الأيمن "المشكله" لكن الظروف شاءت ان يكون السلمان اساسيا مع اصابه انس خصوصا ان حمد قرر في آخر لحظة ان يلعب بشادي بجانب بهاء فكان لشادي الدور الذي يحب و يجيد...

 

لكن حمد جنى ثمار اسلوبه العسكري... بل ان الأسماء التي استعملها تفوقت على نفسها (محمد منير خرج من قوقعة اللاعب المحدود و ادى بقوة)... ابو هشهش كان كمن عاد الى وطنه في مركزه الذي يحب... السلمان بذل المستحيل في رواقه الصعب و أرفع له القبعة على انتمائه اللامتناهي... بشار كان مفاجأة الفريق و حمل وزر القيادة بعد حاتم بشجاعة نادرة... نعم قاتل النشامى فشفعوا لمدربهم و ظهروا بمظهر الفريق المنضبط... و ما اجمل ان يكمل الصورة حارس عملاق يحمي العرين...

 

لو ان حمد اعطى الدردور الفرصة لما خضت في موضوع شلبايه او هايل... لكن حمد اعطى ذات الثقة لعبد الله ذيب و لم تكن في مكانها... بل ان ذلك كان على حساب ابو كشك بالذات... و ظهر الأمر جليا عندما أصيب الصيفي فظهر الفريق بلا أنياب مع أوزبكستان... فيما كانت تمريرة حسن تحتاج الى "مهاجم" حقيقي ليودعها الشباك... عبد الله ذيب لاعب رائع لكنه في هذه البطولة لم يفعل شيئا... لم يلتحم... لم يفتك كرة... لم يمرر... لم يسدد... لم يقلق المدافعين... و مع ذلك بدأ اساسيا في الدور الأول كاملا و لعب أكثر الأشواط حرجا امام اوزبكستان... بينما كان المهاجم الاحتياطي الأوزبكي هو الذي قنص الفوز لبلاده و لهذا هم في نصف النهائي و نحن في عمّان... و بقي المدفعجي حليم اسير دكة البدلاء طويلا... و لو أصاب صاروخه الرائع مرمى أوزبكستان لتغيرت الظروف... لكن لا بأس...هذا ثمن المنظومة... ان يتحجم دور العندليب و دفعناه راضين...

 

هذا هو حمد و هذه هي طريقته...

 

كل التحية للنشامى و لحمد (الذي انتقدته كثيرا و لا زلت... و اعتقد انني افهمه جيدا الآن)... و كل المجد امامنا لتحقيقه في قادم الأيام... سواء بقي حمد (و عليه عندها ان يفسح في منظومته مكانا "للتفرد العبقري المنضبط") أو رحل (و قد تعلم لاعبونا منه الكثير من الانضباط)...

 

اما اللاعبون انفسهم فلا خوف عليهم... فروحهم الوثابه حاضرة دائما... لأنهم نشامى... و كما قال شاعرنا الكبير حيدر محمود... يعشقون الورد... لكن... يعشقون الأرض أكثر...