أنظمة الربيع العربي


ثلاثة معايير يمكن الحكم من خلالها على مدى تحقيق أي بلد لحالة الأستقرار التي يحتاجها ، وأي شعب لحالة الكرامة التي يتطلع لها ، فثورة الربيع العربي ، عبرت عن حالتي المعاناة والأحتجاج ، وعن حالتي الطموح والطمأنينة التي يتمناها :

أولها : الأستقلال عن الأحتلال الأجنبي أو التدخلات الأجنبية ، وإمتلاك حرية القرار السياسي والأقتصادي بما ينسجم مع مصالح الوطن ، لا أن يكون عرضة للتجاوب مع الضغوط والأملاءات الخارجية .

وثانيها : توفر الديمقراطية ، ومؤسساتها الحزبية والبرلمانية والبلدية والنقابية ، وحرية عملها على قاعدة التعددية والأحتكام لنتائج صناديق الأقتراع في كافة هذه المؤسسات .

وثالثها : العدالة الأجتماعية ، بما فيها توفير التعليم والصحة والعمل والسكن ، وشيوع قيم المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنيين بدون تمييز لإسباب دينية أو عرقية أو جنسية ( بين الرجال والنساء ) .

ولذلك علينا أن نحكم أولاً على بلدان النظام العربي السابق ، ما قبل ثورة الربيع العربي ، في سياق هذه المعايير وتطبيقاتها العملية ، وذلك لأن غيابها أو غياب بعضها أدى إلى إنفجار الوضع الشعبي في مواجهة الأنظمة الحاكمة .

ثورة الربيع العربي محطة إنتقالية نوعية في مسار حركة التحرر الوطني والإجتماعي والديمقراطي العربية ، وعلينا أن نحكم على أنظمة ما بعد الربيع العربي ، كما هي قبل الربيع العربي ، بما حققت ، أو بما سعت أن تحقق من المعايير الثلاثة : 1- الأستقلال السياسي والأقتصادي ، و2- الديمقراطية والتعددية والأحتكام إلى صناديق الأقتراع وتداول السلطة ، و3- تحقيق العدالة الأجتماعية وتحسين مستوى الخدمات التعليمية والصحية والأمنية والأسكانية للشرائح المحرومة ، بما يوفر العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين .
تستطيع حركة الإخوان المسلمين ، الأدعاء أنها حققت الثورة والأصلاح في البلدان العربية التي وصلت إلى قيادتها وإدارتها ، وتدبيج مقالات المديح لرؤسائها ولحكوماتها في مصر وليبيا وتونس والمغرب ومن قبلهم لقطاع غزة ، وتستطيع المعارضة الوطنية والقومية واليسارية ، الحكم بالفشل وعدم التغيير في أوضاع شعوبها تلك ، بسبب إدارة الإخوان المسلمين لهذا النظام العربي أو ذاك ، ولكن في النهاية والمحصلة يكون الحكم على هذه الأنظمة ونتاج عملها هو عبر إنجازاتها في الملفات الثلاثة المذكورة وعناوينها .

فالأنظمة السابقة وأحزابها الأحادية وقياداتها حسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح وزين العابدين بن علي ، لم تكن بوصفة واحدة ، فاسدة أو فاشلة ، أو أنها بلا ماض إيجابي ، فمبارك أحد أبطال حرب أكتوبر ، والقذافي محرر ليبيا من القواعد الأجنبية ، وعلي صالح موحد اليمن وزين العابدين أبو العصرية ، ولكنهم كما غيرهم ، نجحوا في بعض تفاصيل المعايير وفشلوا في الأخرى ، مما سببّ حالة الغضب والإحتجاج وصولاً نحو الثورة فالتغيير .

h.faraneh@yahoo.com