ممرات الاسفنج!!
لم تعد المقاربات الاقتصادية مجرد أرقام وجداول، بعد ان تمدد الاقتصاد ليشل ما هو أبعد من السياسة أيضاً، كالمعرفة
وأدواتها وفي مقدمتها مافيات الورق التي أتت على غابات العالم، وأحياناً نفاجأ بعناوين كتب من طراز امتطاء النمور أو الدراما الآسيوية أو التنين الأصفر أو سادة الفقر ثم نجد أنها في صميم الاقتصاد، ومصطلح ممرات الاسفنج الذي ورد في كتاب لهالكوك أحد خبراء البنك الدولي الذي استقال من منصبه قبل فترة طويلة احتجاجاً على النهب له دلالات مثيرة، لأن المساعدات التي تأتي من الشمال الموسر الى الجنوب المعسر يضيع معظمها في الطريق وتمتصه تلك الممرات الاسفنجية سواء تمثلت بوسطاء أو حكومات أو تجار حروب واسواق سوداء.
ولو كانت الارقام المعلنة تصل بالفعل الى مستحقيها لما كان الحال على ما هو عليه الآن، هذا مع تحفظنا أساساً على هذا النمط من اقتصاد الصدقات الذي يستثمر لغسيل سياسي أو لتجميل وجوه قبيحة.
وأكثر ما يهدد هذا الكوكب الذي يعاني من اختلال واحتلال معاً هو اللاتكافؤ، والخلل الجذري الذي يجعل الفقراء يزدادون فقراً والأثرياء يزدادون ثراء، وهناك دراسة طريفة تحمل عنواناً شعرياً رغم أنها من صميم الاقتصاد أيضاً كتبها باحثان في الاقتصاد بعنوان ذيل الطاووس عن الرأسمالية بعد أن استطالت أنيابها وبلغت ذروة توحشها، بحيث أصبحت تنهش نفسها بدءاً من الذيل.
ان ممرات الاسفنج موجودة في كل مكان حتى في تلك الأنفاق التي تحولت الى شرايين صناعية في حالات الحصار، والاسفنج الذي يمتص الماء لا يتورع عن امتصاص الدم والدموع والعرق أيضاً، لأن له ملايين الأفواه الفاغرة، ولو أحصي ما امتصه هذا الاسفنج لكانت الأرقام فلكية.
فقد تحول الفقر كما التخلف أيضاً الى مناجم جديدة ومواد خام صالحة للاستثمار، فثمة من حققوا ثروات طائلة باسم الفقر، كما ان هناك علماء نفس واجتماع وانثربولوجيا يعملون على مدار الساعة في مختبرات سرية لادامة التخلف ومضاعفة الفقر، لأن القارات المنكوبة والمنهوبة منذ قرون اذا شبت عن الطوق تقلب المائدة على من حولها، وهذا ممنوع ومحظور الاقتراب منه.
ولو كان للاسفنج ذاكرة لافتضح الحكاية كلها!